التغيير في الوجوه وحده لا يكفي
يترحم بعض الناس اليوم على عهد صالح، رغم ان الثورة قامت من اجل تغيير صالح وعهده واستبداله بعهد جديد ووضع افضل، يضع اليمن على طريق المستقبل والتطور. ان الترحم على عهد صالح دليل ان الناس خرجت من اجل تغيير الاوضاع في المقام الاول، وثبت لديها بالتجربة خلال السنوات الماضية وصولا الي اللحظة الراهنة ان تغيير الاشخاص وحده لايكفي، اذا لم يصاحب ذلك تغيير في مختلف مناحي الحياة يصاحبه احداث نقله في حياة الناس من خلال تحقيق الاهداف التي خرجوا من اجلها للساحات والميادين وبصدور عارية. لم تقدم قوافل الشهداء، وتسفك الدماء الزكية من اجل ان ياتي هادي رئيسا او رشاد العليمي او غيرهما، وانما من اجل البلد ومستقبله ومستقبل الشعب والاجيال القادمة، وماحدث من انتكاسات خلال السنوات الماضية جعل الناس تترحم على عهد صالح باعتباره كان الافضل اقتصاديا ومعيشيا وامنيا، فالناس تنظر الي مصالحها في المقام الاول، وليس لمن يحكم ايا كان ومن اي محافظة او منطقة. عندما يقارن الناس البسطاء اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والخدمات اليوم وكيف كانت بعهد صالح سيقولون ان عهد صالح كان افضل بكثير، وهذه حقيقة، لان الناس خرجوا للساحات من اجل وضع افضل مما كان عليه الامر في زمن صالح وليس العكس، فالسواد الاعظم من الشعب لاينظرون للسياسة الا من باب تحسن اوضاعهم وتحسن اوضاع البلد، وليس تعقد الاوضاع وصعوبة العيش في ظلها، وتردي حالة البلاد، اما السياسين والمتحزبين فانهم ينظرون للسياسة ويمارسوها من باب تحقيق مصالحهم ومصالح جماعاتهم واحزابهم في المقام الاول، وهذا ما اثبتته التجربة خلال السنوات الماضية من عمر الثورة. لا اعتقد ان الناس تتمنى عودة صالح بشخصه، وانما الفشل والاخفاق الذي حصل بعده جعل الناس تتمنى لو تم الابقاء على بعض الايجابيات في عهده، وابرزها الرخص في الاسعار عندما كانت الدبة البترول ب1500 ريال والكيس الدقيق 4000 ريال والدبة الغاز ب700 ريال وغيرها . ان المقارنة بين ماكان وما هو كائن اليوم في الجانب المعيشي يحدث فارقا كبيرا لصالح ما كان، حيث تعقدت الاوضاع الاقتصادية والمعيشية كثيرا اليوم في ظل بقاء المرتبات كما هي منذ عهد صالح، فضلا عن توقفها وانقطاعها في مدن ومحافظات عديدة منها عدن وصنعاء. التغيير في الوجوه وحده لايكفي اذن، هذا ما ينبغي ان يعرفه الجميع، فالاوضاع التي يعيشها الشعب اليوم لاسيما في المناطق المحررة حيث تحكم الشرعية والاحزاب والمكونات السياسية التي تصدرت مشهد الثورات ليس وضعا مقبولا، فقد تردت الاوضاع بصورة كبيرة، واصبحت حياة الناس لاتطاق بسبب غياب الخدمات الاساسية، وتنامي موجة الغلاء الفاحش، في ظل ضعف وهوان السلطات الحاكمة التي اثبتت عجزها بامتياز في حل مشكلة واحدة من المشاكل المتراكمة والمتنامية التي تكاد تعصف بالبلد وتضعه على طريق المجهول. قال رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في احدى خطاباته مخاطبا الشعب "امنحوني الفرصة ..اعطوني قدرا من الوقت" انه يريد الوقت الكافي ليحدث التغيير في الاوضاع المعقدة والمتردية، ونحن نقول للشعب امنحوه مزيدا من الوقت، فقد منحتم من قبله عقودا وسنوات، لنرى ما الذي سيفعله العليمي ونوابه وفريق عمله. وحتى لا ابدوا متفائلا اكثر من اللازم، اعتقد ان الرئيس العليمي يريد ان يعمل، وان يقدم شي للناس، وان يختار الكفاءات للعمل معه وفي مؤسسات الدولة، وقد بدا ذلك واضحا من خلال قرارات التعيين المحدودة التي اصدرها. لم يكن عهد صالح جيدا، فقد كان ملي بالاخطاء والاقصاء والكوارث واللصوصية والصراعات.. وقامت الثورات لتصحيح ذلك، وضبط المسار المعوج، لكن من جاءو بعده كانوا فاشلون بامتياز، لقد مارسوا الفساد والتدمير والنهب باسم الثورات، ولم يستطيعوا الحفاظ على ما هو موجود، ولم يقدروا على الاتيان بما كان مؤمل، بل جلبوا كل الكوارث، وداسوا على النظام والقانون، وعملوا على تفسخ الدولة وتسربها الي المجهول كلا في مناطق حكمه. امنحوا العليمي الفرصة لاصلاح ما خربه صالح وهادي وسلطات الامر الواقع، لن نخسر شيئا اكثر مما خسرناه، فنحن شعب طيب وصبور ويعظم قياداته، لكن على العليمي ان لايضع كل بيضه في سلة الخارج اذ عليه الاعتماد بصورة موازية على امكانات وقدرات البلد في الداخل وان يبدا عملية اصلاح حقيقية في مؤسسات الدولة وان يفي بوعوده في مكافحة الفساد وتحصيل ايرادات الدولة المهدرة ووضعها في البنك المركزي، وتشغيل المواني وتصدير النفط والغاز وجلب العوائد الي بنك الدولة الاول، لا ان يظل قابع في المعاشيق منتظرا الودائع والدعم الخارجي ويربط عمله كله بها بينما البلد يتسرب والمشاكل تتعقد اكثر فاكثر. نعرف ان الثورات المضادة كانت اكبر من امكانيات وقدرات الاحزاب والشباب، وهناك من الاحزاب من انخرط في الثورات المضادة ولم يستطع المقاومة للاسف. لقد قوبلت الثورات بهجمات شرسة من الداخل والخارج، وتم استهداف العقول التي انتجت وخططت للفعل السلمي لاحباط الثورات وعرقلة مشروع التغيير. ورغم كل ماحدث سيبقى النضال مستمرا بالوسائل والادوات المتاحة، ولن يستسلم الشرفاء اينما كانوا للواقع الصعب، بل سيعملون على تغييره للافضل مهما طال الوقت،حتى وان كان التغيير مايزال ممنوعا في هذا البلد.