النصر والفساد لا يجتمعان
توجيهات رئيس مجلس القيادة بشأن فضيحة فساد الابتعاث المدوية، محاولة للفلفة الموضوع وتسكين غضب الرأي العام، بإجراءات شكلية يستطيع الوزير الفاسد الوصابي اتخاذها، دون الحاجة لتدخل أعلى رأس في هرم الحكم. إلغاء المبتعثين غير المستوفين الشروط، واستبعاد ذوي المسؤولين من الدرجة الأولى من كشوف الابتعاث، إجراء ناقص بل هو استخفاف بالرأي العام، واستخدام أساليب السياسة في تنويم القضايا وتدوير الفضيحة وبقاء الوضع على ما هو عليه. القضية بهذا التخريج الرئاسي لا تعدو كونها تجاوزات محدودة، يمكن احتواؤها بقليل من التدابير الإدارية، لا كقضية فساد غير مسبوقة أو على الأقل غير مسبوق تسريب تفصيلها بهذه الكثافة إلى العلن. المطلوب فوراً إقالة الوزير وتشكيل لجان تقصي حقائق وكشف كل الضالعين وتقديمهم للقضاء. نعرف أن العليمي لن يفعل ذلك وأن رئيس الحكومة لن يفعل ذلك، ومن عليه أن يفعل ذلك هم المحامون الوطنيون الشرفاء، الجدار الأخير للدفاع عن الحقوق وهذا ما بدأ يلوح في الأفق من مبادرة وتطوع المحامية نبيلة الجبوبي وآخرين. نحن أمام سلطة غاشمة فاسدة، وملف المنح مجرد رأس جبل الجليد أمام ملفات فساد الوظيفة العامة، والمحسوبيات وإدارة هبات ومشاريع المنظمات الدولية، والتلاعب بالعملة والتهريب والسمسرة والنفط والغاز، والعبث بالثروات وتعيينات المؤسسات العسكرية والأمنية والتعليم والصحة. كل هذه البؤر الفاسدة بحاجة لإرادة كفاحية، لم نجدها في الأحزاب السياسية ولكنها تتخلق اليوم في وعي جمعي مجتمعي يقظ، ينفض عن إرادته غبار الإحباط ويصرخ بكل ما أوتي من وعي: كفى. على الرغم من نجاح الوزير (الوصابي) وحزبه في توريط جميع الفاعلين لإسكاتهم والنجاة من المساءلة، إلا أنه أياً يكون فإن ملف فساد الابتعاث لا يُعالج هكذا بمثل هذه الخفة واللا مبالاة وبعدم مسؤولية، بل بإحالة كل الفاسدين للنيابة، والانتصار للناس بتعزيز سلطة القضاء وبعيداً عن ذهنية عفا الله عما سلف. لعبة استثمار المواقف لا تنطلي على أحد، كشف فساد الشرعية لا يعني أن الحوثي في حالة أفضل. إذا كانت الشرعية تصادر حقوقك باسم المحسوبية، فإن الحوثي يصادر حقوقك وينهب حياتك باسم الله والنبي. اثنينكما وجها الرداءة، أو لنقل وجهي عملة واحدة. لا مفاضلة. الخيار الثالث دولة قانون ومواطنة. الحوثي: مواجهة العدوان قبل فتح ملفات الفساد. الشرعية: هزيمة الحوثي قبل النظر بالفساد. بينهما حديث متفق عليه. الحقيقة المسكوت عنها: لا يمكن للسلطة الفاسدة وإن ألبسوها رداء الشرعية أن تحقق الانتصار. النصر والفساد لا يجتمعان. الجزائر وطن المليون شهيد ونحن وطن المليون وكيل ومساعد وكيل ونائب وزير وقنصل وملحق وسفير..! الأخ وزير الخدمة المدنية، اطلعونا على كشف هذا الجيش العاطل عن العمل. لا تقل ك"الوصابي" أنا ورثت هذا الوضع، فقط بممارسة الشفافية وإطلاع الرأي العام تخلي مسؤوليتك. هؤلاء الجرذان يأكلون مواردنا بشراهة ومن غير وجه حق، ننتظر أن تفعل. إن كنت مسؤولاً غير ملوث بالفساد، دع الله يسكنك وقُل بالوثائق: هذا سارق خبزنا مقعد دراستنا سرير علاجنا ثروتنا متنفساتنا مساحة مدننا الخضراء مدارس أطفالنا، قُل هذا فاسد. هذه ليست مخاطبة أخلاقية، هذه لغة سياسية بامتياز. إلى كل الشرفاء في كل الوزارات، انشروا ملفات الفساد، هذا ليس تسريباً هذا عملٌ مقدس. من أجل التغيير يجب استثمار استفاقة الرأي العام ومراكمة حالة الغضب.,.