لا دولة بدون قوانين وأجهزة رقابة
عدم وجود القوانين التي تنظم حياة الناس وتعاملاتهم اليومية وعلاقاتهم بالدولة وببعضهم البعض، يتحول الأمر إلى فوضى ويفتح الباب أمام اجتهادات كثيرة تأتي من خارج الدولة، أكانت طائفية أم قبلية، تخل بمضمون الدولة وتعيقها عن تحقيق العدالة والمواطنة والمساواة، وتلغي وظائف الدولة لصالح وظيفة السيد أو الشيخ أو العكفي. وبالنظر إلى عدم تطبيق القوانيين في تعاملات الدولة ومؤسساتها المختلفة في إدارة شؤون الناس، والقيام بوظائفها المطلوبة، وهو السائد هذه الأيام ومنذ سنوات خلت، فإن ذلك يشجع المسؤول والموظف على التمرد والتفرعن والفساد، لأن تطبيق القوانين يمثل رادعا من القيام بذلك، إذا ساءت الأخلاق، أو ضعفت الرقابة الذاتية، وعدم تطبيقها يشجع على الفجور والمعصية والخراب. وأما غياب أو تغييب أجهزة الرقابة في الدولة ومؤسساتها، هو الآخر طامة كبرى يخلق سلطة متحللة من كل الالتزامات والمسؤوليات الأخلاقية تجاه الناس والبلد، ويحول الدولة ومواردها إلى مرتع للفساد الفاضح غير المحتشم، في ظل انعدام الشعور برقابة الله والمجتمع. لماذا يوجد لدينا جهاز مركزي للرقابة والمحاسبة غير مفعل؟ ولماذا توجد لدينا هيئة عليا لمكافحة الفساد غير مفعلة أيضا؟ الجميع في الرئاسة والحكومة والأحزاب متفقون - كما يبدو - على عدم تفعيل الأجهزة الرقابية، حتى يتمكنوا من السرقة والفساد بكل أريحية، على اعتبار أن المرحلة هي مرحلة مؤقتة وانتقالية ينبغي الاستفادة منها بدرجة قصوى في مراكمة الأموال والأرصدة البنكية والمشروعات الاستثمارية في الداخل والخارج. لقد أخطأ رئيس الوزراء الأسبق عبدالقادر باجمال، رحمة الله عليه، حينما قال إن الذي لن يغتني في أيام صالح لن يغتني أبدا، فها هو قد ذهب صالح بسيئاته وحسناته ومازال للفساد صولات وجولات، بل إن المسؤول الذي كان يغتني في أيام صالح في خمس أو عشر سنوات يمكن أن يغتني اليوم في ظرف أشهر ولا عجب. منذ ما بعد 2012 وحتى اليوم أصبح الفساد والثراء أمرا سهلا بمجرد أن تكون وزيرا أو مسؤولا مقربا من الرئيس أو أولاده أو رئيس الحكومة أو القائد العسكري، ويمكن أن يصبح الموظف العادي أو الجندي ثريا أيضا في ظرف أشهر أو سنوات، في ظل غياب تطبيق القوانين وتفعيل أجهزة الرقابة، حيث أصبح الكل يسرق ويجبي الأموال إلى حسابه الخاص، دون حسيب أو رقيب، وكل ذلك يراكم الأعباء على ظهر المواطن المسكين، ويحيل الدولة ومؤسساتها إلى شريعة غاب، في مقدمة صريحة تسبق السقوط والانهيار الوشيك. الفساد منتج للفوضى، ويعطل وظائف الدولة الأخرى سواء أكانت الخدمية أو الأمنية أو المدنية أو غيرها، وعدم وجود دور أجهزة الرقابة الوطنية الحقيقية، وتطبيق القوانيين على الجميع، يجعل الدولة تتآكل رويدا رويدا في حياة الناس وتتلاشى، ويبقي ذلك على سلطة مجردة من القيم، هي عبارة عن عصابة تتقاسم المنهوبات والمسروقات أمام الناس دون خجل أو حياء من أحد، بينما الشعب يموت جوعا ويهدد وجوديا، والله المستعان. ( من صفحة الكاتب على فيس بك)