قسمة ضيزى
مررنا في الشمال والجنوب بانماط مختلفة من (دعاية) الديمقراطية، ففي الجنوب كان لدينا (المركزية الديمقراطية) وفي الشمال هناك ديمقراطية المرجعية، ان جاز التعبير، اي ديمقراطية الشيخ، وبعد الوحدة حلمنا بديمقراطية حقيقية تنتج لنا شرعية شعبية، لكن الادوات التقليدية في الجنوب والشمال عملت بادواتها في ديمقراطية مشوهة انتجت لنا توليفة برلمانية يصوتون في البرلمان بأمر الرئيس والشيخ. من الطرائف الكثيرة التي صاحبت اول انتخابات تشريعية في الجمهورية اليمنية ان احد (المتثيقفين) حقنا وخلال مؤتمر صحفي متلفز مع مسؤول امريكي سأل (صاحبنا) المسؤول الامريكي عن رأيه في (ديمقراطيتنا) مقارنة بالديمقراطية الامريكية، فخجل الامريكي من شطط صاحبنا وقال (ليس من العدل المقارنة بين الديمقراطيتين). هذه الآلية العقيمة في ادارة الدولة اوصلت الى الانقلاب على الوحدة وغزو الجنوب في ١٩٩٤م بحرب شمالية جنوبية خسرها الجنوب بفعل تمزق أبناءه، وكان في مقدور الرئيس صالح ان يؤسس لدولة حديثة بعد ان اصبحت كل الخيوط في جيبه، لكنه بدلا من ذلك اطلق العنان لادواته (الديمقراطية) لاستباحة ونهب وتدمير كل شيء في الجنوب، فقضى على آمال أبناء الجنوب في دولة عصرية تحمي حقوقهم وتصون كرامتهم، بل انه حولهم الى كتلة بشرية زائدة عن الحاجة. وهكذا اصبحت البلاد والعباد (ألعوبة) بيد الأطراف المنتصرة في ٧/٧ تهوي بها سريعا نحو الانهيار التام، قمع في الجنوب وحروب في الشمال، وتفكك تحالفات وقيام تحالفات، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. الواقع اليوم هو اننا تحت ثلاث شرعيات، فهناك شرعية ثورية، كما يقول اصحابها، تحكم صنعاء، وشرعية شعبية في الجنوب يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم وجود اطراف اخرى تتفق معه في الهدف وتختلف في الآليات، ويقع الحوثي تحت ضغط حاجات الناس في مناطق سيطرته ويقع الانتقالي تحت ضغط حاجات الناس في الجنوب فيما الشرعية الثالثة من بقايا شرعية ٧/٧ لا يعنيها امر الناس، فهي مسكونة بذهنية المناطحة التي اوصلت البلاد والعباد الى هذه الحالة، كما كان ديدنها منذ غزو الجنوب في يوليو ١٩٩٤م، فهم يتناطحون على التكسب وألتهام الموارد وكم يستلم هذا وكم يستلم ذاك وكم عمولة هذا وكم عمولة ذاك. كشفت لنا جولة خفيفة في محركات البحث ان راتب الرئيس الامريكي يبلغ (19) ضعف الحد الادنى للاجور، وراتب الرئيس التركي يبلغ (9) اضعاف الحد الادنى للاجور، (وللقارئ ان يكمل المقارنات) اما في جمهورية الصومال فنحن أمام عجيبة اخرى من عجائب افريقيا، بعد رواندا ودولة جنوب افريقيا ودول الغرب الأفريقي التي تتحرر اليوم من الاستبداد الفرنسي، ففي جمهورية الصومال اذا تأخرت الرواتب لأي سبب تتأخر رواتب الرئيس ووزراء الحكومة اما رواتب باقي الناس فلا تتأخر، وهكذا نكتشف سر خروج الاوطان من ازماتها، انها تخرج برجال استثنائيون يؤثرون ولا يستأثرون، رجال كبار بحجم اوطانهم لا تنابلة ولصوص. في حالتنا، يبلغ راتب الوزير (8) آلاف دولار ويبلغ الحد الادنى للاجور (40) دولار، اي ان رواتب اصحاب المعالي (200) ضعف الحد الادنى للاجور وهم لا يعملون شيئا، فما بالكم باصحاب الدولة والفخامة والبرلمان وحواشيهم المنتشرون في اصقاع الارض الذين يلتهمون نصف الايراد العام ونصف دعم الاشقاء، ومع ذلك لم نسمع صوتا لبرلمان (قلع العداد) كما فعل عند الحديث عن تحرير الاتصالات ليحصل الناس على خدمة متحررة من الاحتكار. لسنا هنا في وارد الدفاع عن زيد او عبيد لكن الواقع يكشف لنا ان هناك متكسبون من الوضع القائم فيما تزيد معاناة الناس يوما عن يوم، وطالما لم يصل الألم الى رأس الهرم فالقسمة ضيزى. عدن 9 سبتمبر 2023م