وحدة اليمن" يومين وليلتين
اكتظت المواقع الإعلامية والصحافية ومواقع التواصل الاجتماعي بمئات المقالات وبرقيات التهاني والتبريكات والإشادة بشباب الفريق الوطني للناشئين بعد فوزهم ببطولة دوري كرة القدم لدول غرب آسيا، ولم يفت الكثيرين ممن يتعلقون بقشة الفرح العابر التأكيد بأن الفوز قد أعاد "الوحدة اليمنية" وإن الاحتفالات العفوية، أو حتى المنظمة التي شهدتها بعض مدن الجنوب تؤكد على أن "وحدة اليمن" راسخة لا تتزعزع كما عبر أحدهم. وعلى الطرف الآخر انبرى البعض منددين بالاحتفالات بهذا الفوز واعتبر هذا البعض الاحتفاء بالمناسبة تكريس لوحدة الحرب والغزو الاحتلال. هذين المشهدين المتناقضين كانا قد برزا قبل عام أو أكثر في مناسبة مشابهة، حينما سجل فريق الناشئين انتصارات متميزة في أحد الدوريات الإقليمية لكرة القدم، وتغنى المغنون بخلود الوحدة اليمنية ورسوخها، وأنشد المنشدون ورقص الراقصون، ولم تتجاوز هذه الحالة المهرجانية يومين أو ثلاثة أيام وربما عدد أيام الأسبوع بلياليها، ثم رحلت عن المشهد كما ترحل كل حالات الفرح النادرة في هذا البلاد المسكونة بكل عوامل الخزن واليأس والألم والإحباط الذي لا يتقن ساسته وإعلاميوه ومحترفو المدح والتهريج فيها صناعة سواه. أين تكمن المشكلة؟ المشكلة تكمن في عقول السياسيين المفلسين والإعلاميين السطحيين وبعض النزقين الذين يعتقدون أن الشارع العادي يفكر بعقلياتهم ويتصرف كما يتصرفون ويحاكم الأمور كما يفعلون، الذين يذهبون في تفسير كل شيء تفسيراً سياسياً مرضياً ينطلقون فيه من عقدهم وأمراضهم النفسية. ودعوني أبدأ من حيث انتهى الزملاء الذين عبروا عن استيائهم مما أوردته يوم أمس في منشوري المعنون بــ"عن كرة القدم بعيداً عن السياسة" والذي عبرت فيه عن سعادتي بالفوز الذي حققه فريق الناشئين ببطولة كأس دول غرب آسيا، وأقول للجميع: - كل المباريات والفعاليات الرياضية القارية والدولية والإقليمية ما نزال نشارك فيها باسم "الجمهورية اليمنية" بغض النظر عن رضانا أو غضبنا عن النظام والوضع القائمين وتمسكنا بمطلب شعبنا باستعادة دولته، وسيستعيدها لكن ليس بمخاصمة كرة القدم ومقاطعة الانتصارات القليلة التي يشهدها زمننا المملوء بالحزن والخيبات والفشل، ثم إن الجنوب مشارك في الفريق الوطني للناشئين بالنصف أو أكثر، أما حكاية العلم ورفعه في الساحات وفي التجمعات العفوية فهو شأن شخصي لمن يمارس هذا الأمر وأسجل أسفي على ملاحقة من يرفعون هذا العلم وإجبارهم على نزعه بالإكراه، وعلينا أن لا ننسى أنه علم الجنوب والشمال معاً، وليس علم الشمال وحدهُ، وحينما يحسم أمر استعادة الدولة الجنوبية سيكون لكل حادث حديث ولكل دولة علمها، وعلم الجنوب جاهز ويحمله الجنوبيون كل يوم. لكنني سأتوقف عند الذين يهللون ويكبرون ويزغردون ويرقصون بعودة "الوحدة اليمنية" عبر أحذية شباب فريق الناشئين وأقول لهم: - لو كانت "الوحدة اليمنية" مرتبطة بالفوز في مباراة كرة قدم هنا أو هناك، لكنتم حافظتم عليها في العام 1992م يوم هزم فريق الناشئين منتخب الصين في بطولة آسيا للناشئين، التي استضافتها المملكة العربية السعودية الشقيقة، وقدم لعباً لم تقدمه دول عظمى، لكن قادتكم كانوا مشغولين بإعداد قائمة المستهدفين بالاغتيالات من القادة الجنوبيين وتجاهل هذه الانتصارات النبيلة. - دعوا الناس يبتهجون بمصدر الفرح الوحيد بعد أن حولتم حياة الناس في هذا البلد إلى مجموعة من الآلام والأحزان ويوم يقررون أن يفرحوا تسرقون فرحتهم وتحولونها لاستثماراتكم السياسية. - إن كل من على مساحة الأرض الممتدة بين المهرة وعدن وميدي وصعدة وخراب المواشي يحتفلون بهذا الانتصار دون أن يأبهوا لتوظيفاتكم السياسية، لكننا ومن منطلق منطقكم السطحي الأخرق نسألكم: غداً سيقوم الحوثيون بتكريم الفريق الفائز فهل هذا يعني أنكم موحدون معهم في أهدافهم وسياساتهم ومساعيهم وارتباطاتهم الخارجية؟ - "الوحدة اليمنية" التي كنت مكسباً عظيماً بين أيدي كل الجنوبيين والشماليين، لكنكم أبيتم الحفاظ عليها ودهستموها بدباباتكم وجنازيركم، وأصررتم على إعادة تصميمها بما في رؤوس سادتكم من مخططات النهب والسلب والاستحواذ، وحينما فشلتم استدعيتم أصحاب كهوف مران لتسلموهم كل "الثوابت" المحروقة نكاية بالشعب وطموحه المشروع، فلا تتوقعوا أن تستعيدوها بمباراة كرة قدم. - وقبل أن تتحدثوا عن "الوحدة اليمنية" عبر مباراة كرة قدم ممتعة وشائقة ونصر نبيل صنعه مجموعة من الشبان الرائعين، قبل هذا وحدوا الحوبان مع شارع جمال، وصعدة مع عمران، ومدينة مأرب مع جارتها في الجوف مدينة الحزم، ثم بعد ذلك عاتبوا الجنوبيين لتمسكهم بأرضهم وسيادتهم وثرواتهم واستعادة دولتهم