تسييس حق الدفاع عن النفس
تمادت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل في وصف عملياتها العسكرية سواء في الاراضي الفلسطينية المحتلة او ما قامت به مؤخراً في الممر الدولي للبحر الأحمر بانها عمليات دفاعاً عن النفس ، وبما يتوافق مع قواعد القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة . ما مدي مصداقية هذه الادعاءات ام ان الامر كله فيه قدراً من التسييس اكثر مما تنص عليه قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة . في البدء يجدر بنا تعريف معني مبدأ حق الدفاع عن النفس وما مدي علاقته بالقانون الدولي ، وهل في حرب غزة واسرائيل ، والعمليات العسكرية في البحر الأحمر ضد جماعة أنصار الله ( الحوثيين ) تشكلان فعلاً دفاعاً عن النفس ام تحريف و إفراط في تفسير ذلك الحق ؟ فقد حظرت المادة ( 51 ) من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة في العلاقات بين الدول ورغم ذلك أقرت الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة علي أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلي ان يتم اتّخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين . اذا كانت اغلب دول العالم ، والامم المتحدة وكل المنظمات الإنسانية تري بضرورة اقرار وقف إطلاق النار في غزة باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الاوروبي تري ان القضاء على حماس له الأولوية ولو كان ذلك علي حساب التضحية بحياة الالاف من المدنيين من الاطفال والنساء وهو ما يتنافي بشكل صارخ مع حق الدفاع عن النفس طبقاً لميثاق الامم المتحدة وبالمخالفة الصريحة لاحكام القانون الدولي الإنساني . ونشير في هذا الصدد الي موقفين متناقضين : الموقف الروسي في الجمعية العامة في مطلع نوفمبر حيث صرح مندوب روسيا بان اسرائيل ليس لها حق الدفاع عن النفس بالصراع الحالي . في نفس الوقت وبشكل مطلق لا تتواني الولايات المتحدة من دعم العمليات العسكرية التي تقوم بها اسرائيل في مختلف مناطق من الاراضي الفلسطينية لان ذلك يمثل حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ؟؟ فهل احداث السابع من أكتوبر هو حق للدفاع عن النفس ولمن الحق في ذلك الفلسطينيين ام الاسرائيليين ؟ ولماذا العالم الغربي في اغلبيته اعتبر ان ما قامت به إسرائيل في اليوم التالي للسابع من اكتوبر الماضي هو دفاعاً عن النفس و ربما لم يري بما حدث في ذلك التاريخ هو بالعكس حق فلسطيني طبيعي للدفاع عن النفس وبتعبير آخر اكثر دقة ما قاله تصريح الامين العام للامم المتحدة غوتيريش في جلسة مجلس الامن بتاريخ 24 اكتوبر الماضي ان الهجوم الذي شنته حركة “ حماس “ في السابع من أكتوبر “ لم يحدث من فراغ “مشيراً ان الشعب الفلسطيني “ خضع علي مدي 56 عاماً للاحتلال الخانق “ ، مضيفاً أن أراضيهم رأوها تلتهمها المستوطنات وتعاني العنف . وخنق اقتصادهم . ثم نزحوا عن اراضيهم ، وهُدمت منازلهم ، وتلاشت آمالهم في التوصل علي حل سياسي لمحنتهم .. لماذا هذا التحيز و إزدواجية في المعايير ؟ تغليب الرواية والتفسير الغربي في حق الدفاع عن النفس يعني التسليم بما يفسره دائما الجانب الغربي للقوانين الدولية وفق ما يتوائم مع مصالحه كدول هي جزءاً من نادي الدول الاستعمارية لأغلب مناطق العالم . وفي غياب الدول حديثة الاستغلال واندثار الإمبراطوريات غير الغربية قامت الدول الغربية بسن اغلب قواعد القانون الدولي واحتفظت لنفسها حق تفسيره وفق ما يتوافق مع مصالحها الجيوسياسية وما دون ذلك تعتبره انه خارج السياق ومخالف للقانون والاعراف الدولية . ! وحول هذه الجزئية لناخذ مثال بسيط حول الدعوي القانونية التي رفعتها جنوب افريقياً ضد اسرائيل امام محكمة العدل الدولية في يوم الخميس 11 يناير الماضي بانتهاكها في حربها في غزة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي صادقت عليها هي والولايات المتحدة الامريكية. في مواجهة هذه الدعوي قام وزير الخارجية الامريكي بالتصريح قائلاً “ تعتقد الولايات المتحدة أن قضية جنوب أفريقيا المرفوعة علي إسرائيل تشتت العالم عن الجهود المهمة من أجل السلام والأمن “ . وذهب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي ( المتحدث باسم الرئيس بايدن ) بتنصيب نفسه بديلاً عن ا ل 15 قضاة المحكمة الدولية بقوله “ إن الولايات المتحدة لا تري أي أساس لمزاعم جنوب افريقيا بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بحق المدنيين في قطاع غزة “ . وبهاذي التصريحين تظهر الولايات المتحدة هنا تعدد أوجه الدعم التي تقدمه لإسرائيل السلاح والذخائر و الاموال باكثر من 14 مليار دولار أقرت لها مؤخرا خارج اطار موازنة الثلاث مليارات المعتمدة لها سنوياً و كذلك الدعم الدبلوماسي والسياسي في الأمم المتحدة باستخدام حق النقض والان تبنت الولايات المتحدة الإدعاءات الإسرائيلية حول الأونروا مشاركة عدد من منتسبيها في احداث 7 أكتوبر وعلقت هي وبعض شركائها الدعم المالي المقدم للمنظمة دون التاكد من صواب تلك الإدعاءات وتداعياتها الإنسانية علي اوضاع الفلسطيينين الكارثية في القطاع . انه زمن غريب حدوث كل هذه الانتهاكات من قبل دول الغرب وعلي رأسهم الولايات المتحدة التي لعبت دوراً ريادياً في السابق في بلورة قواعد القانون الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان ؟.