من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
في العام 1959 وقف المحامي شيخان الحبشي ممثلاً لاتحاد الجنوب العربي أمام لجنة تصفية الاستعمار وألقى الخطاب التاريخي محدداً فيه هوية شعب الجنوب وقضيته الوطنية ومطالباً بحق تقرير المصير ومصراً على الجلاء البريطاني عن عدن والمحميات الشرقية كلها. كانت عدن تعيش حراكاً سياسياً واسعاً بعد أن نجحت ثورة الضباط الأحرار المصرية 1952 ومعها تطلعت الشعوب العربية للحرية والخلاص من قيةود الاستعمار الأجنبي، شيخان الحبشي الذي حمل عقيدة وطنية زرعها عمر سالم باعباد ذات يوم في سيئون الحضرمية صاغ مع رفيقه محمد علي الجفري هوية الدولة الجنوبية بمعايير ليبرالية اخزلت معها مضامين التاريخ العميق لسكان الأرض الجنوبية. التنافس بين الجبهة القومية واتحاد الجنوب أنتهى في النهاية لتحقيق الاستقلال الكامل بجلاء الاستعمار البريطاني عن عدن في 30 نوفمبر 1967، هذا هو المنجز السياسي الكامل الذي حدد جغرافية الجنوب منذ ذلك التاريخ. بعد خمسة وستين عاماً من خطاب شيخان الحبشي يعود عيدروس الزبيدي متحدثاً للأمم والشعوب من على طاولة مجلس الأمن الدولي عن حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره السياسي، كثير من التحولات وقعت بين دفتي الأزمنة غير أن الثابت هو أن العقيدة الوطنية الجنوبية ظلت كما حددها باعباد وحملها شيخان وحققها للمرة الأولى قحطان الشعبي ورفاقه في انتزاعهم الاستقلال الأول. كثيرة هي التقاطعات التاريخية والأكثر والأهم أن يعيد أبناء هذا الجيل قراءة تاريخ بلادهم فهو تاريخ يستحق القراءة فيه والتعلم منه، كل أعداء الجنوب خسروا فلا الرجعية نجحت في المرة الأولى ولم تنجح في الثانية ولن توقف عجلة المركبة الجنوبية لتصل لمحطة الاستقلال الثاني. بالتأكيد هي لحظة من اللحظات المشحونة بالعواطف المتدفقة فهي تماثل تلك الأيام الذي راقب فيها الجيل الأول كلمة شيخان وتابع من بعدها رحلة المفاوضات وانخرط في ثورة 14 أكتوبر 1963، تماماً كما عاش هذا الجيل انتفاضة المكلا 1997 وانطلاق الحراك السلمي في 2007 ومروراً بحرب تحرير عدن المجيدة في 2015. سيبقى شعب الجنوب يردد "عملنا كثيراً من أجل هذه اللحظة" وليس ما يردده الآخرين "هرمنا من أجل هذه اللحظة"، لم ولن يهرم شعب لم تهزمه قوى الشر والاحتلال الغاشم على أرضه، شعب خرج من القبور وانتفض في وجه حكام صنعاء وفي وجه القوى الإسلاموية بكل ما امتلكت من أدوات التكفير والتفجير والقتل ثم جندلها ومرّ إلى ملامسة الاستقلال الثاني. الأهم أن يؤمن هذا الجيل أن ما تبقى مازال يتطلب عملاً وصبراً وجهداً مضاعفاً فالنضال مستمر وللحرية ثمن دفع وسيدفعه هذا الجيل لأجيال أخرى تستحق أن تعيش على أرضها وتحت سمائها بدون يمننة زيفت الحياة وأتلفت العقول.