الجنوب بين مشروعين سياسيين
تحت حيلة سياسية ماكرة اسمها (التخلص من هيمنة المركز المقدس بصنعاء) يحاول حزب الإصلاح والمجموعة الجنوبية النفعية المحيطة بالرئيس عبدربه منصور هادي تسويق وتكريس مشروع الستة الأقاليم، الذي (قيل) إنه مشروع أقرته مخرجات الحوار، الذي عقد قبل سنوات في صنعاء. بل بلغت هذه الحيلة والخفة السياسية مبلغها بالسعي إلى تثبيت مشروع الستة الأقاليم كأمر واقع قبل إقرار الدستور المنتظر، وقبل نتيجة الاستفتاء الشعبي على هذ ا المشروع، وعلى ذلك الدستور المزعوم، أي أن هذا النوع من التعاطي مع الآخر يستخف بعقول الناس إلى درجة يقول لهم بكل سذاجة إنه من الممكن للعربة تجر الحصان خلفها.! هذه الحيلة والتي يحاول أصحابها فرز القوى السياسية جنوبا وشمالا إلى فريقين: الأول ـ تصوير كل معترض لمشروع الأقلمة بأنه ضد الجنوب وضد محافظة تعز وضد كل المظلومين خلال عدة عقود من الزمن، وأنه يقف بصف الانقلابيين وضد الإرادة الدولية أيضًا. وهنا يبدو واضحا أن حزب الإصلاح وجماعة الرئيس هادي تتخذ من رفض علي عبدالله صالح لمشروع الستة الأقاليم حُجة بوجه كل جنوبي يرفض ذلك المشروع، مع أننا نعرف جميعا أن الحوثيين وصالح لم يرفضوا هذا المشروع إلا من زاوية مصلحتهم، فمثلما استهدف هذا المشروع الجنوب وقضيته استهدافا سياسيًا، ويسعى لقصم الجنوبي إلى قسمين فقد استهدف هذا المشروع الحوثيين وصالح استهدافها طائفيا بحشرهم بإقليم على شكل زقاق (أخدود) يولج فيه كل المحافظات الزيدية من شمال صعدة حتى جنوب ذمار. وبالتالي فرفض صالح والحوثيين لهذا المشروع كان نابعا من حسابات خاصة بهم، مثلما للجنوبيين حساباتهم الخاصة بهم بهذا الرفض، ومثلما كانت المصلحة الحزبية والشخصية هي التي دعت حزب الإصلاح وجماعة هادي للتمسك بتطبيق هذا المشروع. الثاني ـ تصوير كل من يؤيد هذا المشروع على أنه يقف ضد هيمنة منطقة على منطقة ومؤيدا لحرية المناطق التي حرمت طيلة العقود الماضية من هيمنة المركز، وأنه مؤيدا لفكرة كل منطقة تحكم ذاتها. نقول إن هذه الحيلة والخديعة سرعان ما تسقط وتضمحل بمجرد التوقف عن عدة نقاط أهمها: - حزب الإصلاح والرئيس هادي رفضوا تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق (وهي مشروع سياسي طموح كان قد توصل له فرقاء الأزمة السياسية التي عصفت بشركاء الوحدة، وتم التوقيع عليه بالأردن قبل أن ينقلب عليه الطرف الشمالي والمتمصلحين من الجنوبيين) تحت مبرر أن نتيجة حرب عام 94م قد خلقت خارطة وواقع سياسيين جديدين لم تعد وثيقة العهد صالحة لمثل هكذا متغيرات، وهذا التبرير بصرف النظر عن منطق القوة يعتبر مبررا منطقيا، فما كان قبل الحرب ليس كما صار بعدها، بهزيمة الطرف الجنوبي والانقلاب على الوحدة التي أقيمت بين دولتي اليمن قبل عام90م. - قبول الإصلاح اليوم بفكرة الأقاليم ينطلق من اعتقاده أنه أضحى الحزب الأقوى بالساحة اليمنية، بعد خفوت دور المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، وبواسطة تشكيل الأقاليم يمكن لأعضاء الحزب (أي حزب الإصلاح ومناصريه) من السيطرة على مقاليد الأمور، ومن ثم التصرف والهيمنة الكُليّة على اليمن بما فيه بالتأكيد الجنوب، وهو بيت القصيد من كل هذا الخبث واللؤم الإصلاحي، حيث يسعى الإصلاح بهذا المشروع إلى تقسيم الجنوبي جغرافيا كمقدمة لمسخ قضيته سياسيا وهويةً، باعتبار مشروع الستة الأقاليم ستساوي بين كل مناطق اليمن سواء بسواء. - وبالعودة إلى حيلة التخلص من هيمنة المركز الصنعاني نقول: هل أصبح رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي وأمينه العام عبدالوهاب الآنسي واللواء علي محسن الأحمر والشيخ عبدالمجيد الزنداني واللواء المقدسي والشيخان محمد الإمام والحجوري وغيرهم من القيادات الحزبية والدينية والقبلية المنتمية جغرافيا للمركز المسمى بالمقدس المزعوم مؤيدون فجأة لمشروع الستة ضد هيمنة أنفسهم، وهل يحاربون اليوم بهذه الاستماتة حتى لا يكون لمحافظاتهم صنعاء، عمران، ذمار، المحويت أي دور مستقبلي بدولة الستة الأقاليم، ويكونوا مجرد أخدود طائفي معزولا عن العالم برا وبحرا؟!!. - وهل مشايخ بيت الأحمر وباقي شيوخ مشايخ قبيلة حاشد أقوى القبائل اليمنية نفوذا وهوسا بالسيطرة على الآخر أصبحوا من أشد المتحمسين لمشروع الستة الأقاليم وضد هيمنة مركزهم المقدس أيضًا ومستعدةالذي كان له دور بارز في تغيير المعادلة، وتوفير الإسناد للطرف الميداني، الذي بدوره خدم الجميع وانتصر للتحالف التكاملي عامة، يقف حائراً، فلا هو يريد خسران الحليف الميداني الجنوبي القوي والمخلص، ولا التفريط بالطرف السياسي الشرعي اليمني، لحسابات لا تزال متعلقة بمعارك الشمال، ولهذا اعتمد على سياسة تحقيق التوازنات بين الطرفين المختلفين داخل (التحالف التكاملي المنفض). غير أن أسلوب الطرف السياسي المالك للقرار السياسي بالتنكر والإقصاء لحق الشراكة مع الطرف الميداني الجنوبي القوي أوجد خلافا سياسيا وأظهره بقوة للواجهة ليعيد الأمور إلى نقطة الخلاف الأساسية، وذلك ما انتج تشكيل قوة سياسية من الطرف الجنوبي لسد الثغرات السياسية والسير صوب استكمال استقلال الجنوب، فتم تشكيل (المجلس الانتقالي الجنوبي) كقوة سياسية تستمد مشروعيتها من الشعب الجنوبي المؤيد لها دائماً، وآخرها بثلاث مليونيات متتالية منذ إعلان عدن التأريخي في 4 مايو الماضي. هذا جعل الطرف الشرعي الفاقد للشعبية جنوباً، وغير القادر على تحقيق أي تقدم أو شعبية شمالاً في أشد حالات ضعفه وهوانه، بسبب تصرفات خاطئة أرجعها سياسيون إلى محاولة بقاء حزبين فاشلين داخل الشرعية لتنفيذ رغباته باستخدام الشرعية التي في أساسها تنحصر في شخص الرئيس هادي، ولا يرفضها الطرف الجنوبي، بقدر ما يرفض استخدام تلك الشرعية من قبل هذا بقايا حزبي “الإصلاح والمؤتمر” للعبث ومحاولة إعادة تكرار وانتاج قوى تحالفات غزو الجنوب عام 1994م. من هنا يحتم الواجب الوطني أن يكون شعب الجنوب واعياً أكثر وبعمق، لكل ما يحدث وارتباطاته ومساراته، كي يفقه طريق السير وفق توازنات المرحلة، لمنع الانزلاق إلى أتون فوضى يعمل العدو على خلقها ويترقب حدوثها على أحر من الجمر، ومنع أي خلاف مع الحليف الأبرز (التحالف العربي) الذي يشكل قوة الدعم الخارجي، مع عدم التنازل أو المساس بالهدف الذي دفع الجنوبيين لأجله كل التضحيات منذ أكثر من 24 عاما. هذا يعني أن علينا أن ننظر بوعي كامل إلى ما تعيشه اليمن حالياً، بل المنطقة العربية عامة، التي تعاني من مخاض جديد وعسير، قد يتطلب إجراء عملية جراحية في أجزاء أخرى من جسد المنطقة العربية، من أجل حماية بقية أجزائه، التي تتهددها العدوى. ولابد من التمسك وبقوة بأهدافنا الثورية وبالمجلس الانتقالي الجنوبي كممثل سياسي جنوبي وقوي، والسير لاستكمال الاستقلال الجنوبي، وفي نفس الوقت استيعابنا لكل ما يجري حولنا، واتخاذنا القرارات المحنكة والفاعلة، كوننا لا نعيش منفردين أو في جزيرة نائية، بل في رقعة جغرافية هامة للغاية وتشكل نقطة ارتكاز الأحداث وصمام أمان المستقبل، وذلك ما يوجب العمل وفق توازنات تحقق أهدافنا الوطنية الجنوبية العليا، وتتواءم مع الظروف والتطورات المحيطة في المنطقة.