جنود خليك في البيت..!
كلما ألتقيت أحدهم وجدته واجم الوجه يتأفف وينفث الآهات الواحدة تلو الأخرى،وكأن أمراً جلل حل به أو مصيبة قد نزلت بساحته.. تسألت متعجباً عن ذلك الضيق الذي تملكهم فهم شبابٌ لاتتجاوز أعمارهم الربيع السابع عشر، هذا إن لم يكونوا في مراحل الطفولة، يجيبني أحدهم وهو (يحك) رأسه خصموا مرتباتنا وبمبالغ متفاوته.. زاد إستغرابي وتعجبي..! فأنا أعرفهم حق المعرفة فهم يرابطون في منازلهم ليل نهار ولايتجاوزون محيط قرآهم،فعن أي راتب يتحدثون..؟ يهمس أحدهم هؤلاء حماة الوطن .. وجنود المستقبل، هؤلاء من أبتسم لهم الحظ، وساعدتهم الضروف الآنية للبلد، بإختصار هؤلاء جنود (خليك) في البيت، بمعنى أدق وأوضح يذهبون وقت الرواتب فيستلمون ماتجود به قياداتهم ( المباركة) ثم يعودون إلى منازلهم.. ثم نأتي نحن المغفلين ونطالب بدولة نظام وقانون، نطالب بأمن وأمن وأستقرار وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وفرض هيبة الدولة في محافظاتنا، أخبروني بربكم كيف سنفرضها؟ ثم كيف نطالب نحن من دولة توزع الأموال هنا وهناك،وعلى أطفال لايعرفون من (الجيش) إلا أسمه، ولايتخطون (عتبة) المعسكرات إلا حين تأتي لجان الصرف إن تم إستدعائهم، وإلا فإن الغالبية العظمى يتم إرسال رواتبهم مقابل خصم يذهب لجيوب (الهوامير)، كيف نطالبها بإن تضرب بيد من حديد، ويدها لاتعرف (تمسك) سوى الريالات البائسة.. حقيقة أقولها مهما كانت مؤلمه وقاسية لن تأت دولة الجنوب،ولن تسود دولة العدل والقانون،ولن نرتق يوماً طالما وكبار القوم يتعاملون بهذه الطريقة، ويبحثون عن مصالحهم فقط دون الإكتراث بواقع الوطن.. لن نصل للغاية النبيلة والهدف الشريف الذي سقط من أجله الشرفاء وضحوا بأرواحهم ودمائهم،ولن تقوم لنا قائمة طالما والكل يفكر كيف يتناصف (كعكة) الفساد مع الآخرين.. نحن للأسف أعتدنا على السلب والنهب إلا من رحم الله،أعتدنا على أن نفكر في المقام الأول والأخير في نسبة الأرباح التي سنجنيها من كل عملية ندخلها أو صفقة نعقدها،ثم بعد أن نستنزفها نجلس على ركان هذا الوطن ننوح ونندب ونشتم من السبب.. ربما يزعج كلامي هذا الكثيرين لاسيما أولئك الذين يتقاضوم نهاية كل شهر (50 الف) ريال أو أكثر دون أي جهد يذكر أو عمل يُشار له بالبنان، وربما ينالني من(السب) والشتم النصيب الأكبر،فقد أعتدنا أن تُصرف لنا هذه الأشياء كلما طرقنا أبواب الحقيقة، فالحقيقة مؤلمة لمن أعتاد على السلب والنهب..