نزعات الانفصال في كردستان وكاتالونيا
القراءة السريعة لحوادث إقليم كردستان وإعلان كاتالونيا استقلالها من جانب واحد تثير تساؤلات عدة حول موقف المجتمع الدولي من نزعات الانفصال ومبدأ حق تقرير المصير وفق الزمان والمكان. ومن دون الدخول في سرد تاريخي حول تذبذب المواقف الدولية، نشير فقط إلى مواقف الدول والأمم المتحدة في الستينات ضد انفصال كاتانغا عن الكونغو، وفي السبعينات ضد انفصال بيافرا عن اتحاد نيجيريا. في حين أن الدول الغربية شجعت في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات علىى تفكك الاتحاد السوفياتي السابق بالاعتراف بجمهورياته السابقة من دول البلقان إلى الجمهوريات الإسلامية التي كانت أعضاء في الاتحاد السوفياتي. وانتهجت الدول الغربية السياسة نفسها في الاعتراف بجمهوريات يوغوسلافيا السابقة، وآخرها كانت جمهورية الجبل الأسود التي كانت تشكل جزءاً من الاتحاد اليوغوسلافي وقبلت عضويتها في الأمم المتحدة في حين أنه على رغم اعتراف أكثر من مئة دولة بكوسوفو، إلا أنها لم تستطع بسبب معارضة روسيا الانضمام إلى الأمم المتحدة. السؤال المطروح هنا عن أسباب قبول انفصال تلك الدول، في حين ترفض دول في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي بصفة عامة قبول استقلال كردستان وحق كاتالونيا في إعلان استقلالها؟ لا شك في أن الأمر هنا يتطلب التمييز بين وضع إقليم كردستان وحالة كاتالونيا. بالنسبة إلى إقليم كردستان، تعود أسباب الرفض إلى عدم وجود إجماع الكرد على الانفصال من العراق ولكونه يتعارض مع نصوص الدستور العراقي، إضافة إلى وجود أقليات غير كردية في إقليم كردستان. ولعل الأهم من كل ذلك خطورة قيام دولة كردستانية في العراق وما يستدعي ذلك من توجه أكراد إيران وتركيا وسورية إلى الاقتداء بتجربة كردستان العراق. وبالطبع، طرح عامل آخر في الرفض الغربي من جانب أميركا ودول الاتحاد الأوروبي لاستقلال إقليم كردستان، وهو أن الأولوية الراهنة بالنسبة إليهم تتمثل في محاربة «داعش»، واستقلال كردستان سيضعف الحملة ضد الإرهاب. وماذا عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ لماذا وافق المجتمع الدولي في مطلع التسعينات على حق إريتريا وتيمور الشرقية في تقرير مصيرهما ولم يقر ويعترف بحق شعب فلسطين في تقرير مصيره وحقه في إقامة دولته المستقلة؟ إن إجماع دول الاتحاد الأوروبي اليوم على الوقوف ضد إعلان كاتالونيا استقلالها يخلق مفارقة بإجماعها على استقلال جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي والاعتراف به وترحيبها بتفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي وقبول دول البلطيق في عضوية الاتحاد الأوروبي. ورفضها استقلال كاتالونيا يعود إلى مخاوفها من بروز مطالب أقليات أخرى في الدول الأوروبية مثل مطالب الباسك وربما كاتالونيا الفرنسية؟ لهذا، تساءل البعض هل من الأفضل أن يكون الاتحاد الأوروبي تجمعاً لدول ذات سيادة، أم أن يكون هناك اتحاد إقليمي لأوروبا يجمع أقاليمها المختلفة والمتنوعة؟ وماذا عن وضع اليمن الجنوبي؟ هل لو أراد جنوب اليمن استعادة الدولة التي كانت تتمتع بالسيادة سيقف المجتمع الدولي موقف الرافض أم الموافق على ذلك؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الحالات التي أشرنا إليها سابقاً تتعلق بأقاليم أو مناطق في إطار الدولة القائمة التي تطالب الأقاليم بالانفصال عنها لتأسيس دولتها المستقلة، ووضع جنوب اليمن مختلف من ناحية أنه يطالب ما أسميه فك ارتباط الوحدة الذي تأسس على وحدة دولتين ذات سيادة وعضوين سابقين في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وبفشل الوحدة بين الدولتين أصبح هناك شبه إجماع إن لم يكن إجماعاً شعبياً في الجنوب على استعادة الدولة المستقلة بنظام سياسي جديد يتماشى مع العصر. وبالإمكان بعد فك الارتباط، تصور انضمام الدولتين إلى مجلس تعاون خليجي جديد، ولا شك في أن ذلك سيعطي بعداً وأهمية استراتيجية عظيمة بجمع الكثافة السكانية في اليمن الشمالي والموقع الجيواستراتيجي للجنوب وسيجعل من الاعتراف بفك الارتباط الجنوبي أمراً حتمياً لا خلاف حول قبوله والاعتراف به. الحياة