من يقرأ يرقى

في صغرنا ومع بداياتنا في الدراسة الابتدائية كان أكثر بيت نكتبه في دفاترنا الخط يبقى زمانا بعد كاتبه وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا كنا نكتبه دائما ليس فهما له وشعورا بأهميته وحبا لما يدعو اليه من التعلق بالكتاب سواء قراءة أو تدوينا لكنه ربما اعجاب بسلاسة الكلمات فلما كبرنا وبدأنا نقرأ في المؤلفات ونطلع على ما كتبه العديد من الكتاب في عدة مجالات منهم ما يزال حيا ومنهم بل معظمهم قد غيبهم الموت من زمن بعيد ومع ذلك بقيت عصارة أفكارهم يتداولها الناس وينتفع بها من قرأها الى قيام الساعة علمنا أنه حقا ان الخط يبقى زمانا بعد كاتبه. يقول جورج كردب (إن من يقرأ كثيرا تساوره الرغبة في الكتابة) انتهى كلامه القراءة والكتابة متلازمتان يغلب انهما لا تفترقان إذا غمرت القراءة عقل امرئ متفتح انسابت تلك القراءة كلمات تشع وهجا يستضيئ بها من يبحث عن النور من يقرأ فهو كمن جمع كنوزا وتحفا من كل عصر وبلد والأفكار هي خير كنز يجمع وأفضل ما تملأ به عقلك من يقرأ بعمق وبصيرة لا يمكن الضحك عليه ويستحيل ان تخدعه شعارات براقة. من يتخير ما يقرأ ويعتني بما يقرأ فقد أضاف لعمره سنوات طويلة ورفد شخصيته باركان لن تهزها زوابع الفتن وزمن الجهل. من قرأ واستزاد فقد خط لنفسه مكانا بين المثقفين ومن كتب فقد خلد اسمه الى قيام الساعة. ولعل ما تعانيه امتنا من تراجع حضاري ووهن سياسي وتخلف علمي مرده الى الجهل الذي انتشر والخمول الفكري الذي استشرى عدى بعض المنارات هنا وهناك لم نعد نقرأ ولا عاد لنا مؤلفات تنير عقول شبابنا وما غرسنا في أبنائنا حب القراءة ولو أن كل فرد اشتغل على اهله على الأقل لكانت كارثة الجهل أخف وطأة. اغفلنا قراءة التاريخ وتركنا التفقه في ديننا وربطه بواقعنا وضعفنا عن التحصيل الذي يؤهلنا لقيادة العالم ونحن أمة ((اقرأ)) فصرنا لعبة تتقاذفنا الأمم تجعل منا فئران تجارب لسياساتها ومرمى لسهام أهدافها، الجهل لا يأتي بخير ومثله العلم الذي لا يؤازره فهم ولا تدعمه ثقافة. يقول فولتير " سئلت عمن سيقود الجنس البشري فقلت الذين يعرفون كيف يقرأون!! من منا يعرف كيف يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ ربما هناك من يقرأ لكنه يقرأ كتبه الدراسية ظنا انه صار آية في العلم أو الثقافة. هناك من يقرأ لكن للشخص الخطأ وتتحول هذه القراءة عليه من نعمة الى نقمة وفساد في الفطرة وخلل في التفكير. هناك من يقرأ لكنه لا يفقه ولا يحلل ولا يقرأ ما بين السطور هناك من يقرأ ويردد ما يقرأ كببغاء له صوت ولاعقل مميز له. وهناك من يملأ دماغه بترهات وأكاذيب مواقع التواصل ويجعلها حقيقة ويبني عليها اوهامه وتصبح لديه مسلّمات لا تمس ومن خلالها يتحرك . وكما قال فولتير من يعرف كيف يقرأ هو من سيحكم البشرية من يقرأ الاحداث ويحلل الوقائع ويدرس الشخصيات ويتقن فهم التاريخ وربطه بالحاضر وانعكاسه على المستقبل فله الغلبة ولهذا اقامت الدول الكبرى مراكز دراسات ضخمة وصرفت عليها بسخاء حتى تمكنوا من فهم قواعد اللعبة العالمية وهذا مالم نفقهه نحن بل نصر على الغاء التاريخ ونقفل ملفاته تماما ونوعز الى شبابنا الأسطوانة المشروخة ننسى الماضي ونتعامل بالحاضر اليس اليوم نتاج الامس؟ واليس في القصص والعودة للماضي عبرة وعظة؟ القراءة عالم وفضاء يجعلك تحلق عاليا في سماوات الادب ومعرفة أفكار الآف العظماء وتغوص في أعماق التاريخ وتتمشى في دهاليز الاحداث القراءة حياة فلنعد شيء من حياتنا التي اضعناها وراء وهم المعرفة ونحن لم نفقه شيء. وأخيرا: كفى قلم الكتّاب مجدا ورفعة مدى الدهر ان الله اقسم بالقلم.

مقالات الكاتب