وعاد نوفمبر
نوفمبــر اليــــوم جـانا * عــوّد لنا من جــــديد فيه استعـــدنا الكرامة * وأصبــــح الكـل سيْد أسياد في الأرض نحيا * نحيـــا على ما نــريد حياة نصنـــــــــع جديدة * في مجتمعنا الجــديد والكـــل مـــالك لأرضه * من خيـــرها يستفيد بهذه الكلمات للشاعر الراحل احمد صالح عيسى التي صدحت بها حنجرة الفنان الراحل فيصل علوي يرحمهم الله وتغنت بها جماهير الشعب في كل مكان فرحاً وأملاً بيوم جديد أطل بشعاعه على ارض الجنوب عام 1967م مختصرا شهرين وثمانية أيام عن الموعد الذي حددته حكومة الاستعمار البريطاني لإنهاء الاحتلال الذي جثم على الأرض 139 عاما (فأبى الثوار الأشاوس الا ان يغادر البريطانيين منكسي الرؤوس يجرون خلفهم ذيول الهزيمة وتأفل شمس إمبراطورتيهم التي لا تغيب عنها الشمس ) هكذا كان الاعلام الثوري يخدرنا بالجمل المنمقة ويشعرنا اننا دخلنا عهدا جديدا سنهزم فيه الرجعية العربية والامبريالية الامريكية ومن حالفهم هكذا كان الشطط وأما أحلام البسطاء فكانت تبحث عن العيش الرغيد والوطن الآمن المستقر وتبحث عن ابسط الحقوق والعدالة الاجتماعية والمساواة وأن ترى شيئا من النعم والمزايا التي كان يتمتع بها جنود الاحتلال البريطاني واعوانهم تفيض على بقية الشعب المطحون، رحل آخر جندي بريطاني من عدن يوم الثلاثين من نوفمبر1967م ورفع علم الاستقلال الذي سُلّم لقيادات الجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني ) لاحقا فبدلا ان تشهد البلاد مرحلة جديدة من النمو والازدهار فاذا المفاجأة اننا دخلنا في موجة صراع جديدة وعنف ثوري من طراز جديد أوصل البلاد الى الحضيض وجعل الكثير يقولون سلام الله على بريطانيا وقد قالها ذات يوم صراحة رئيس الوزراء الأسبق الأستاذ محمد سالم باسندوه لو كنا نعلم ان الحال سيصل الى ماو صلنا اليه لما ثرنا على بريطانيا وهو بهذا عبر عن حال الكثير ، نعم كان هذا هو الحال فبعد ان كان ميناء عدن يصنف الثالث عالميا من حيث المكانة وحركة السفن والتجارة فاذا به يتوارى عن التصنيف وبينما كانت عدن زهرة المدائن في الجزيرة العربية والخليج وقبل ان تكون المدن المزدهرة حاليا وكانت تأتي من الأهمية بمكان ضمن قوائم العواصم العربية المرموقة وملتقى للسواح والتجار وملهمة للشعراء والمبدعين فاذا بها صارت قبلة للفاشلين في اوطانهم وملاذا آمنا لهم يمارسون فيها فشلهم ويطبقون نظرياتهم ومشاريعهم واحلامهم، واذا بأحلام البسطاء الذين يحلمون بالوصول الى مستوى رغد العيش وجمال المسكن كما كان يعيشه البريطانيين فاذا بهم يخرجون الى الشوارع في مسيرات شهيرة طالبت بتخفيض الراتب بل وبوجوب تخفيضه وشملت منظومة الواجبات حرق الشيدر وتأميم المساكن والمتاجر والسحل السحل حتى الموت للإقطاعي والكهنوت فكان إرهاب الدولة او ما سمي زورا امن الدولة حيث الاعتقالات والتغييب القسري وسلخ البلاد عن حضارتها وهويتها وعقيدتها ومحيطها الإقليمي واقصاء المعارضين وتخوينهم والتمكين لثقافة الرأي الواحد والتوجه الواحد ولا صوت يعلو فو صوت الحزب وتصفية الخصوم المفترضين وبعد ذلك انتقلت النار الى أجساد مشعليها فكانت دوامة الدم التي توجت بأشدها فظاعة في الثالث عشر من يناير 1986م التي قُصِمت فيها ظهور الجبابرة ورموز العنف الثوري وبدلا من أخذ العبرة وتصحيح المسار يخرجون لنا دائما بالعبارة الشهيرة فشلت المؤامرة وانتصر الحزب ، حدثت متغيرات كبيرة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية ومرّت نوفمبرات عديدة على البلاد وها نحن نختتم نصف قرن كامل وما اطوله في عمر الشعوب وكان بالإمكان أفضل مما كان ولكن!! واذا بنا امام جيل جديد اُشربت في قلوبهم نفس الثقافة القديمة ثقافة التخوين ثقافة الاقصاء ثقافة عدم القبول بالآخر ثقافة الذاتية والأنانية التي لا تبني الأوطان ولا تحافظ على القيم والأخلاق ثقافة تعبث بالحاضر والمستقبل ثقافة تنفذ اجندة الآخرين بعلم او بدون علم ثقافة تقول ان لم تستضئ بضوء الفانوس فلا نور لك ان لم تكن عدوا لمن صنعته انا عدوا لي فانت عدوي ان لم تكن معي فانت ضدي" لا رحمك الله يا جورج بوش" سجون ومعتقلات واغتيالات وتفجيرات طالت الأبرياء ولم يسلم منها الصغير والكبير والطفل والمرأة مؤشرات خطيرة تنبئ عن واقع سيئ وقادم أسوأ خمسون عاما من الاستقلال فأين هو الاستقلال ؟ ومؤشرات التبعية والخضوع لكل الاجندات تُطل برأسها وبوضوح تام ،ثقافة تغييب الوعي التي تحطم النفوس من داخلها وتجعل الحصول على سلة غذائية في السنة مقدمة من هنا او هناك هي غاية المراد متى نفهم الاستقلال الحقيقي لنعيشه واقعا ونحتفل به حقيقة وحتى لا تتكرر مقولة الأستاذ باسندوه الآنفة الذكر على لسان البسطاء وحتى لا تتكرر المقولة الأشنع "سلام الله على عفاش" كما قال شاعره ذات يوم .