الانتقالي و الشرعية وتجنب فخ ثوسيديدس
الصراع السياسي القائم بين الشرعية اليمنية والمجلس الإنتقالي الجنوبي هو في الحقيقة جانب واحد فقط من المنافسة على إبقاء الجنوب غنيمة لصالح قوى الشرعية جنوبيها أو يمنيَها. تريد الشرعية الحفاظ على بقائها ممسكة بالسلطة والتحكم بالمال وتفرض رؤيتها على باقي القوى في الساحة وخصوصا في الجنوب في حين أن المجلس الإنتقالي مصمم على عدم قبول البقاء مكتوف الأيدي تجاه تلك السياسة الشرعية. لا شك أن ما يغذي هذا التنافس او الصراع بين الطرفين هو التغيير الذي تعيشه عبر التاريخ القوى السياسية بين الصعود والهبوط فالقوى الصاعدة ( المجلس الانتقالي نموذج) تزداد قوتها وتريد أن تكمل قوتها بأمان دون استعجال المواجهة في حين أن القوى الهابطة ( الشرعية نموذج لها) تعرف انها تضعف و مع مرور الوقت سوف تسقط وتسأل نفسها كيف يمكن أن يكون عليه الحال عندما تمتلك القوى الصاعدة المزيد من القوة لذا تحاول بعض أطرافها ان تستبق السقوط باضعاف الخصم. هذا الحال الذي أصبح عليه الوضع اليوم في عدن يشبه ما ذكرته كتب التاريخ اليوناني فيما اسمي فخ ثوسيديدس الذي أشار إلى أن أحد الأسباب الأساسية للحرب بين أثينا وإسبرطة هو النمو الهائل لقوة أثينا والخوف الذى سببه هذا النمو عند إسبرطة مما تسبب في قيام الحرب بينهما (ثوسيديدس هو المؤرخ الذي أرخ للحرب اليونانية بين أثينا الصاعدة واسبرطة القوية) و التي أنهت العصور الذهبية للحضارة اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد. قد يعتقد الطرفان اليوم في المشهد الجنوبي أنهما سيخوضان حربا ستضع حدا لهذا الصراع السياسي وهذا فعلا مجرد وهم لان الحرب اذا انطلقت يفقد الطرفان التحكم فيها وتدخل قوى أخرى وتصعد أخرى ولا تلبث أن تتوالى الصراعات وتقضي على ما تبقى من وجود لوطن اسمه الجنوب وهذه الحرب يمكن ان تقوم بسبب لا يلتفت إليه أحد حتى يكبر ويتضخم و تصبح الحرب أمرا لا مفر منه حيث أن الحروب الحقيقية غالباً ما تكون نتيجة لتصعيد غير متوقع وغير مخطط له ، يمكن للخلافات السياسية أن تخرج عن نطاق السيطرة خصوصا في بيئات لا تعرف كيف تدير خلافاتها بوسائل سلمية. في النهاية لا يمكن ان يتمثل الحل في المواجهة والجميع في خضم معركة مصيرية مع قوى تهدد الجميع والسير بمشاريع متعارضة على الواقع الآن هو عمل غير ممكن قبل ان تضع الحرب أوزارها ولا يمكن للشرعية بعد اليوم فرض رؤيتها على الواقع الجنوبي بعد ان فقدت كل مقومات إدارة الدولة وفشل مشاريعها السياسية في الواقع, فيما لا يمكن الانتقالي في اللحظة الراهنة أن يسقط مشروعه على الأرض في الوقت الذي لا زال الجميع بما فيها الشرعية في حرب مع الحوثي بدعم إقليمي ودولي. حسن النوايا في القضايا السياسية وحدها لا تكفي ولا يمكنها معالجة المشاكل الكبيرة بل يتطلب الأمر البحث عن المشتركات والعمل الفعال على هزيمة الحوثي وصياغة اتفاق بشأن ادارة الجنوب المحرر ومواجهة المشكلات الاقتصادية والخدمية التي وصلت الى حال لم يكن لأحد أن يتصوره. لم يعد لدى الجميع الذي يؤمنون بأن العمل المشترك في هذه المرحلة أصبح ضرورة و أنهم لم يعودوا يملكون ترف إهدار الفرصة والبحث عن وسائل لتخفيف معاناة الناس في عدن والجنوب.