التعليم بين إضراب وضريبة
رهان المعلمين على وسيلة الإضراب لانتزاع حقوقهم المسلوبة في عدن وسائر المحافظات بات بفعل هذا الوضع العام الموبوء وسيلة خاسرة ومُــخسّــرة. خاسرة لأن الجهة الحكومية التي يعتقد المعلمون أنهم يضغطون عليها بهذه الطريقة لا تأبه بهم ولا بوسيلتهم ولا بالتعليم من أساسه، ولهذا يضع المعلمون أنفسهم يخسرون شيء من تقديرهم بالمجتمع ويضعون أنفسهم ليس في مواجهة مع الجهة الغاصبة لحقوقهم كما يعتقدون بل مع أهالي الطلاب انفسهم الذي يصبون جام غضبهم على الكل بمن فيهم المعلمين ويشعرون بالسخط من أن يجتمع عليهم: فساد مسئول وأنانية مدرس وخذلان مجتمعي. ووسيلة مخسّــرة لأن ضررها وخسارتها على الطلاب وعلى العملية التعليمية برمتها أكثر من فائدتها حتى على أولاد المعلمين أنفسهم- الذين يدرسِــون كلهم بالمدارس الحكومية بسبب صعوبة التحاقهم بالمدارس الخاصة باهظة الرسوم والكُــلفة - خصوصاً وأن آخر عام دراسي قد ذهبَ أدراج الرياح دون طائل نتيجة وباء كورونا، فضلاً عن أن الوضع العام بالبلد موبوء من ساسه الى رأسه بفيروسات السياسة وجراثيم الصراعات والنزاعات العسكرية والانفلات الأمني بكل المحافظات، ونخشى اليوم ان نخسر عاما دراسيا آخر، كما نخشى أن نقول: المجد للتعليم الخصوصي التجاري الاستغلالي، والوداع للتعليم الحكومي، وربما نقول الوداع للتعليم والعلم من جذوره، ونجد أنفسنا أمام جيل مفخخ بالجهل وملغم بالتطرف والفقر والضياع ،يدفع ضريبة هذا المآل المجتمع كله. نتفهم حق المعلمين بانتزاع حقهم المسلوب منذ سنوات من بين أنياب الفساد ومخالبه، ونتفهم ظروفهم المعيشية القاسية، لكن انتهاجهم في هذا الوقت العصيب والاستثنائي وسيلة عدمية عبثية كوسيلة الإضراب عند حكومة فاقدة للشعور بالمسئولية وبفداحة ما يعنيه جريمة تعطيل العملية التعليمة كل هذه الفترة قد نجعلهم أي "المعلين" في مربع الشراكة بالجُــرم ولو بشكل غير مباشر،خصوصا وأنهم يستلمون رواتبهم الاساسية -على هزالتها طبعا- بشكل منتظم أفضل من كثير من المرافق الأخرى، أي أن حالهم المعيشي لا بأس به- على الأقل قياسيا بمرافق أخرى يعاني أصحابها صنوف العذاب في تأخر صرف الرواتب وقطعها والمتاجرة بها لعدة أشهر بل وأحيانا لسنوات كما هو الحال مع مؤسستي الجيش والأمن- نقول أننا نتفهم وضعهم هذا لكن عليهم بالمقابل أن يتفهموا قلق الآباء على مستقبل أولادهم وهم يمضون صوب التجهيل المتعمد . التعهدات التي أطلقها رئيس الوزراء نهاية يناير الماضي لنقابة المعلمين- بمنحهم بعض من حقوقهم المصادرة والتي تم تعطيها أي التعهدات من مراكز القوى - يمكن إحياء مطالب تنفيذها مرة أخرى لدى رئيس الوزراء بالاستعانة بالقيادات المُخلصة بالوزارة وبمكاتب فروع الوزارة بالمحافظات وهم كُــثر، وبالنقابة، وسيكون الكل خلفهم حتى لو اضطـرّنا ذلك الى تنظيم وقفات أسبوعية وحشد كل الجهود الشعبية والإعلامية والحقوقية خلفهم بدلاً من اعتماد إضراب يضرب ما بقي من تعلي