رسالتي لأصدقائي في المؤتمر الشعبي العام
أستطيع أن أزعم أن علاقاتٍ طيبةً متفاوتة المستويات تربطني بالكثير من القيادات الفاعلة في المؤتمر الشعبي العام في اليمن،(أنا أتحدث عن المؤتمر الحاضر في الشرعية إلى هذا الحد أو ذاك) سواء تلك القيادات التي التحقت بالرئيس عبد ربه منصور هادي منذ الانقلاب عليه وبعضهم منذ العام 2011م عام الثورة الشبابية السلمية الرائعة، أو تلك التي التحقت بالشرعية بعد مقتل الرئيس صالح نهاية العام 2017م، وهو ما يسمح لي بالتخاطب معهم كزملاء وأصدقاء اختلفنا أم اتفقنا ومن حقنا وربما من واجبنا التناصح وأن نبحث عن نقاط اتفاق تسمح بإغلاق بعضٍ من ملفات الماضي والبحث عن مشتركات جديدة في ضوء العواصف التي أحاقت بالبلد منذ العام 1994م ولم ولن يكونوا أبرياء من إنتاج عواملها ومفاعيلها. وبغض النظر عن الحقائق المؤلمة التي يستفز الحديث عنها مشاعر الزملاء في المؤتمر (فرع الشرعية) سواء ما يتعلق منها بحرب 1994م وما ترتب عليها من جرائم في حق الجنوب والجنوبيين، أو مشاركتهم الغزو الحوثي في العام 2015م وما أنتجته من مآسي إضافية في حق الجنوب والجنوبيين، فإنني سأتحدث عن حقائق جديدة يمكن من خلال الاعتراف بها إرساء علاقة جديدة لهذا الحزب مع الطرف الجنوبي شعباً وقوىً سياسية، بما يسمح بفتح آفاق أخرى تقطع الصلة مع الماضي وترسي منهاجية جديدة للعمل المستقبلي بين قادة المؤتمر وبين الجنوب وأهم هذه الحقائق ما يلي: • أن الشعب الجنوبي قد حسم أمره من حيث العلاقة مع وحدة 1990م وتبعا لذلك وحدة 1994م وقرر الذهاب باتجاه استعادة دولته، وأعرف جيداً أن هذا يغضبكم لكن مرارة الاعتراف بالحقيقة أفضل بآلاف المرات من حلاوة التلذذ بالوهم الذي ينقشع بمجرد استعادة الوعي والإقرار بالوقائع الحية على الأرض، وأرى أن اعترافكم بهذه الحقيقة سيكون مدخلاً سليماً لتصحيح علاقتكم بالجنوب كشعب وككيان يتكون وينمو ويستعيد بناء نفسه بمشيئة أو بدون مشيئة الآخرين من الأصدقاء والخصوم. • وبغض النظر عن الجرائم المدمرة التي ألحقتها حرباكم أنتم وشركائكم على الجنوب في العامين 1994م و 2015م فإنني وبصورة شخصية أرى أن تلك الجرائم قد لا تكون المعيار الوحيد لعلاقة الجنوب وقياداته السياسية معكم، ولذلك أدعوكم إلى الاعتراف بحتمية مراجعة أسباب ودوافع تلك الجرائم سواء من حيث الاعتراف بخلفياتها أو من حيث تعويض الضحايا أو من خلال الإقرار بنتائجها التدميرية على تاريخ وصيرورة الحياة في الجنوب وأحلام أجياله التي أضعتم عليهم، أنتم وشركاؤكم، عقوداً ثلاثةَ من الآمال والتطلعات في الاستقرار والنمو والازدهار وصناعة المستقبل. • نحن نعرف خلفيات علاقاتكم التاريخية مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومدى اعتمادكم المتبادل خلال فترة تمتد إلى السبعينات، وأقلها إلى العام 1982م سنة تأسيس حزبكم، ولا يمكننا أن نطلب منكم شطب هذه العلاقة أو حتى مراجعتها فهذا الأمر يخصكم وحدكم، لكننا نقول لكم (وهذا رأي شخصي أيضاً) إن موقف الشعب الجنوبي وقياداته السياسية منكم سيبنى على ضوء شراكتكم أو عدم شراكتكم، ومن ثم رفضكم، لحرب الإخوان المسلمين على الجنوب فمباركة بعضكم أوسكوتكم على هذه الحرب التي تدور رحاها في أبين وشبوة ويجري التحضير لها في مواقع جنوبية أخرى، يجعل الكثير من الجنوبيين يتشكك في إمكانية إعادة تطبيع العلاقة معكم ولن يعني لهم (أي الجنوبيين) سوى مشاركتكم فيها ومن ثم تضييق فرص ترميم ما هدمتموه من هذه العلاقة. • لقد شكلت عودة الكثير من قياداتكم إلى صف "الشرعية" مبعث أمل لدى الكثير من الساسة الجنوبيين في أن تساهموا في إعادة التوازن لهذه السلطة وتحريرها من سيطرة اللون الواحد والآيديولوجيا الواحدة والنزعة الواحدة، وهو ما يضعكم أمام خيارين عند ما يتعلق الأمر بالقضية الجنوبية هما: أ. إما الاستمرار في تقديس وتأليه حرب 1994م والحفاظ على منهج 7/7/1994م، واعتبار نتائج الحرب على الجنوب هي نهاية التاريخ، وهو ما يعني أنكم لم تتعلموا من كل النكبات والانتكاسات والانهيارات التي أنتجتها تلك الحرب والسياسات البائسة التي بنيت عليها، وبالتالي الاستمرار في الرهان على الخيبات والهزائم التي صنعها هذا النهج في ما يتعلق بمحاولات استعادة الدولة ومعها العاصمة صنعاء من أيدي خاطفيها السلاليين. ب. وإما مراجعة مواقفكم وسياساتكم السابقة واستبطان ما أصابت فيه وما أخطأت ومن ثم مراجعة علاقتكم بالشعب الجنوبي، الذي ذاق المرارات بفعل الممارسات التي انتهجتموها على مدى أكثر من عقدين، من سياسات الإلغاء والتهميش والتجهيل والاستعلاء ومسخ الهوية وتزييف الوعي والسلب والنهب، وهي السياسات التي لم تنتج، كما تعلمون، إلا عكس ما تمناه صانعوها ومنفذوها. وأخيراً أكرر ما قلته مراراً: إن الشعب الجنوبي لا يخطط للاعتداء على أحد ولا لغزو أرض أحد ولا للسيطرة على حق أحد وبالتأكيد ليس للحرب ضد أحد، وكل ما يطمح إليه الشعب الجنوبي هو استعادة دولته التي سحقتها دبابات غزو 1994م والسعي لإقامة علاقات طبيعية أخوية تكاملية مع الشعب الشمالي الشقيق ومن يمثله من القوى السياسية، . . . علاقات تتحرر من ثنائيات الفرع والأصل ، والمتبوع والتابع، والمنتصر والمهزوم، والناهب والمنهوب، وتقوم على الشراكات البناءة والمصالح المتبادلة ومحاربة الإرهاب ورفض السياسات الانقلابية، وترعى حسن الجوار وعدم التدخل في الشأن الداخلي. والله على ما أقول شهيد.