عقد على ثورات " الربيع العربي"3_2"
هل كانت ثورات الربيع العربي عملاً شيطانياً؟
من المؤسف أن الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية بما في ذلك شخصيات يقدم أصحابها أنفسهم كباحثين وأكاديميين ومحللين سياسيين واستراتيجيين، يتناولون أحداث العام 2011م في بلدان ما جرى التعارف عليه بــ"الربيع العربي" من منطلق "نظرية المؤامرة"، فيقول البعض أن هذا العمل التخريبي أشرفت عليه ومولته ورعته وشجعته المخابرات الأمريكية، ويضيف البعض "والإسرائيلية" وكأن هؤلاء يقولون أن الزعمااء الذين ثارت شعوبهم ضدهم كانوا من ألدِّ أعداء أمريكا، وإن أمريكا أرادت إسقاطهم لتأتي ببديل أفضل لها منهم. الحقيقة إن هذا الكلام يعتمد السطحية والحذلقة اللغوية والثقافة الدعائية والتحريضية التي تفتقر إلى البراهين والأدلة والقرائن الموضوعية، فمصلحة أمريكا وغيرها من الدول الغربية كانت تتأتى من خلال تلك الزعامات التي ثارت ضدها الشعوب نتيجة لفسادها واستفحال الطغيان والاستبداد في تعاملها مع قضايا شعوبها، وبالتالي فإن الدول العظمى لم يكن من مصلحتها إسقاط أولائك الحكام الطيعين سهلي الانقياد والقابلين للخضوع والتطويع من قبل الإدارات الغربية وعلى رأسها الأمريكية، وسنستثني الزعيم القذافي الذي غالباً ما كان يبدو مشاكساً ومعارضاً عنوداً للسياسات الغربية لكنه لم يكن أقل ديكتاتوريةً وطغياناً وفساداً واستعداداً لتوريث الحكم لأولاده من بقية زملائه الزعماء المتساقطين. والحقيقة أن ثورات "الربيع العربي" قد جاءت على غفلة من كل العالم، ومخابراته، بدءً بالمخابرات المحلية التي ظلت تقدم التقارير للزعماء على طريقة ما يرضي الزعيم وليس ما يكشف له الحقيقة، فكل القائمين على أجهزة الاستخبارات والدعاية والعسس ظلوا يطمئنون الحكام بأن الشعب تحت السيطرة، وأن من يطالبون بتغيير الأوضاع ومحاربة الفساد وتفعيل روح القانون والحياة المؤسسية ورفع مستوى معيشة الشعب ورفض التور يث والتصدي لرهن مستقبل البلاد بالخارج، إن هؤلاء ليسوا سوى حفنة من المعارضين والمتآمرين الحاقدين على الوطن، وقد ركب الغرور هؤلاء، بحيث أعماهم عن رؤية الحقيقة كما هي، والمتمثلة بتعاظم السخط الشعبي واتساع رقعة المعاناة اليومية للناس وعزوف الأغلبية عن الاهتمام بالشأن السياسي بسبب الانشغال بتدبير المعيشة اليومية التي صارت أشبه بالجحيم بسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنظمة. وعلينا أن نتذكر أن وزيرة داحلية فرنسا قد قامت بزيارة خاصة إلى تونس أثناء الانتفاضة الشعبية وعرضت على زين العابدين بن علي إمكانية التدخل المسلح لقمع انتفاضة التونسيين، وكان تصريحها هذا سببا في إقالتها بعد هروب بن علي وسقوط منظومة حكمه. وسأتوقف لاحقا عند الحجة التي تقول: وهل صارت الأمور أفضل بعد أسقاط الأنظمة الدكتاتورية؟ لأن هذه المقولة حق يراد به باطل. كل هذا لا ينفي إمكانية تسلل أدوات المخابرات العالمية إلى جسد بعض الثورات، وتفكيكها من الداخل وإيصال بعض أنصار تلك المخابرات إلى واجهة الأحداث الثورية هنا أو هناك، لكن هذا له أسباب أخرى لا صلة لها بأسباب وعوامل انطلاق الثورات وفوران وعائها الذي ظل يغلي لعدة سنوات حتى بلغ لحظة الانفجار فانفجر. وهناك من يقول أن ثورات "الربيع العربي" كانت مؤامرة إخوانية، والحقيقة أن حركة الإخوان المسلمين في كل بلدان "الربيع العربي" كانت آخر قوة سياسية تدخل إلى ميدان الاحتجاجات، بل لقد ظلت قياداتها تقوم بدور المحذر والواعظ للشباب على احترام ولي الأمر، وطاعته ولم تلتحق بالفعاليات الاحتجاجية إلا بعد أن تيقنت من عجز الأنظمة على مواجهة الشعب ومن تجربة الشباب اليمني، يتذكر الكثير من القادة السياسيين الذين كانوا قد بادروا بـ"مشروع التشاور الوطني" في إطار قوى المعارضة مع بقية ممثلي النخب المجتمعية، عدد المرات التي قام فيها الأستاذ محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني، ومعهم بعض القادة القبليين من المحسوبين على الإصلاح بالوساطة بين أحزاب المعارضة، ورئيس الجمهورية مباشرة، وآخر مرة كان الزنداني قد خطب في المجتمعين من أحزاب المعارضة محذرا من غضب الله على من لا يطيعون ولي الأمر وإن الرئيس صالح مهما يكن له كرامته ومقامه ويجب ان يحترم ، وتصدت له ناشطة حقوقية كانت حاضرة الاجتماع، بالقول: أنتم حريصون على كرامة الرجل ولا تحرصون على كرامة الشعب،، إن قوات الأمن تقتل الشباب في عدن بدم بارد، وتمنع إسعاف الجرحى بل تتركهم ينزفون حتى المو، وإن أطفال اليمن يهربون إلى الخارج للبيع، وبنات اليمن يتعرضن للبيع تحت اسم الزواج السياحي وأنتم لا هم لكم إلا إرضاء رئيس الجمهورية الذي أوصلت سياساته البلاد إلى هذا المستوى من الانهيار الإنساني والإخلاقي والمعنوي. وبعدها بأيام اتجه الزنداني إلى دوار الجامعة وألقى خطبته الشهيرة العصماء عن براءة اختراع الثورة وبشرى قيام إمبراطورية دولة الخلافة التي ستمتد من الصين إلى فرنسا في العام 192020م وللحديث بقية عقد على ثورات "الربيع العربي"3 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مواصلة لما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية، نعيد التذكير بأن جماعات الإخوان المسلمين، كانت آخر القوى السياسية التي التحقت بحركة الاحتجاجات التي رفعت شعار "إسقاط النظام"، لكن من المهم الإقرار أن دخول الحركة الإخوانية، والحديث هنا عن كل البلدان العربية، وخصوصا تونس ومصر واليمن، قد كان له أبعاداً عديدة متباينة، سأرجئ الحديث عنها ، وأشير هنا إلى كيف التحقت أحزاب اللقاء المشترك ومنها التجمع اليمني للإصلاح، بالحركة الشبابية الرافضة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح. كان الكثير من الناشطين الإصلاحيين من الشمال والجنوب يشاركون في الفعاليات الاحتجاجية للحراك السلميي الجنوبي وأتذكر أن الأخت توكل كرمان كانت من بين المشاركين في مهرجان 14 أوكتوبر 2007م الذي تلى حادثة المنصة والتي سقط فيها أربعة شهداء وعدد من الجرحى، وكان كاتب هذه السطور من قدمها إلى مقدمي الحفل على المنصة لتلقي كلمة لم تختلف في مضمونها عما طرحه المتحدثون الجنوبيون بما في ذلك تأييد مطالب شعب الجنوب في التحرر من نتائج حرب 1994م، واستعادة حقه في تقرير مصيره، وكان آخرون ومنهم طالب جامعة عدن عبد الله العليمي قد ظهروا في فعاليات يطالبون فيها باستعادة الأموال المنهوبة، لكن الطالب العليمي لم يطالب بالأموال التي نهبها نظام صنعاء من الجنوب وعلى حساب ثرواتهم ومكتسبات ثورتهم، بل تلك الأموال التي قال أن الانفصاليين علي سالم البيض وحيدر العطاس نهبوها من أموال الشعب اليمني، وهذا شكل من أشكال مشاركة الإصلاح في الثورة الجنوبية. ولأن ثورة الربيع العربي في الجنوب تتميز بالكثير عن نظيراتها العربيات فسأتحدث عنها في منشور لاحق، وأواصل هنا كيفية انخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات الثورة الشبابية السلمية في صنعاء وتعز وبقية مدن الشمال. كانت أحزاب اللقاء المشترك قد أطلقت مشروعا للتشاور الوطني منذ العام ٢٠٠٩م، وكان الغرض منه توسيع دائرة المعارضة المطالبة بتغيير ديمقراطي سلمي، واتخذ هذا المشروع مسارا طويلا دام حوالي العام، عقد في ختامه لقاءً تشاوريا وانتخب هيئة للحوار برئاسة الأستاذ محمد سالم با سندوه وانتخب النائب البرلماني حميد الأحمر أمينا عاماً ثم جرى انتخاب لجنة مصغرة من حوالي 26 ـ 30 عضوا بينهم أمناء عموم الأحزاب وبعض أعضائها وممثلين للمستقلين وبعض الفئات الاجتماعية. عندما اندلعت أحداث الثورة السلمية، وهي بالمناسبة بدأت منذ يوم هروب بن علي من تونس في 13 /1/ 2011م، لكنها تصاعدت أكثر مع يوم 25 / 1 يوم اندلاع الثورة المصرية، وهذا ليس الأهم هنا، أقول عندما اندلعت الحركة الاحتجاجية انطلق الكثير من الشباب ومعظمهم من المستقلين كما شاركهم حزبيون دون الرجوع إلى أحزابهم، وكانت اللجنة المصغرة تتابع عن بعد هذه الاحتجاجات، معربة عند التعاطف معها، لكن دون الإشارة إلى دعمها أو تبني شعاراتها. في يوم 20 فبراير كانت اللجنة المصغرة مجتمعة في ظل غياب رئيس الإصلاح وأمينه العام لكن بحضور بعض القيادات الأصلاحية منها الدكتور محمد السعدي الأمين العام المساعد، وحميد الأحمر والمرحوم د. صالح السنباني عضوا مجلس النواب واالشيخ علي الصلاحي أحد مشائخ مأرب وآخرون، في هذا اليوم أصر معظم الحاضرين على انخراط أحزاب اللقاء المشترك ومعها الشركاء في التشاور الوطني في فعاليات الثورة السلمية، ولأن النقاشات كانت مطولة ومتشعبة، فقد كلفت لجنة رباعية بصياغة بيان الاجتماع كان كاتب هذه السطور عضوا فيها، وأهم النقاط التي تضمنها البيان: إدانة أعمال العنف ضد المتظاهرين، حل معضلات البلاد وقضايا النزاع عن طريق الحوار، إجراء إصلاحات ديمقراطية دستورية وقانونية تسمح ببناء دولة النظام والقانون، والأهم من كل هذا، دعوة شباب أحزاب التشاور الوطني للانخراط في الثورة الشبابية السلمية. وكان كاتب هذه السطور هو من لخص النقاشات وقدم مشروع البيان لبقية أعضاء اللجنة وهم الزملاء النواب البرلمانيين صخر الوجيه وعلى عبدربه القاضي والمرحوم د. صالح السنباني، ثم قدم المشروع للمجتمعين، وهو البيان الوحيد الذي ويعرض مرتين على أعضاء اللجنة المصغرة لإقراره نهائياً. في مساء تلك الليلة تلقيت مكالمة من قائد إصلاحي (أعتذر عن تناول اسمه) وصفتها بأنها أثقل مكالمة تلقيتها منذ بدأت استخدام الهاتف. لقد فتح معي هذا الصديق ما يشبه التحقيق، عمن كتب البيان؟ ولماذا أقررتم الانخراط في الفعاليات الثروة السلمية؟ ومن سيتخمل النفقات ؟ ومن سيقود الثورة؟ وعشرات الأسئلة التي لم أكن أجد لها مبررا، لكنني قلت لهذا الصديق، إن اللجنة مكونة من أربعة أفراد وإنها قامت بمجرة الصياغة لما أقره الاجتماع، وقلت له لو سألتني عن موقفي فيما يخص الاشتراك في فعاليات الثورة فإن هذا الموقف قد بدأ منذ شهرين، وذهبت إلى الاحتجاجات دون أن أستأذن أحد بما في ذلك قيادة الحزب الذي أنتمي أليه. القصد من هذا الحديث الممل والمطول الذي استعرضته، هو تبيان أن الإخوان المسلمين لم يكونوا ينوون المشاركة في الثورة، سواء من خلال أدوار الوساطة مع الرئيس التي كان يقوم بها محمد اليدومي وعبد المجيد الزنداني وغيرهم، أو من خلال التباين في الموقف من المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، وهنا لا بد من الإقرار ومن باب الإنصاف أن الإخوان الذين شاركوا في آخر اجتماع للجنة المصغرة قد كانوا موافقين على نص البيان بما في ذلك دعوة الأعضاء والأنصار للمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية. وقبل نهاية هذه الحلقة أشير إلى أربع قضايا مهمة وهي. 1. إن فعاليات الثورة السلمية في عدن ومعظم محافظات الجنوب قد تميزت جذريا عن الفعاليات في الشمال سواء من حيث أنها قد سبقت ثورة الشباب الشمالية بأربع سنوات، أو من حيث إن مطالب هذه الفعاليات (الجنوبية) لم تكن تنادي بإسقاط النظام بل بإسقاط الاحتلال. 2. إن فعاليات الثورة السلمية في تعز تميزت عنها في صنعاء بأنها كانت تحت سييطرة القوى المدنية غير الدينية، وكان حضور النشطاء الناصريين والاشتراكيين والبعثيين وبعض المستقلين من الأكاديميين والمثقفين والأدباء والفنانين أكثر من حضور النشطاء الإصلاحيين. 3. إنه وبانخراط أحزاب اللقاء المشترك في فعاليات صنعاء، وإب وبعض المحافظات (التي شهدت فعاليات محدودة العدد) تغير ميزان القوى، وأصبحت الفعاليات شبه إصلاحية بالمطلق، فقد هيمن الشباب الإصلاحيون على المنصات، وعلى لجان الفعاليات، الأمنية والسياسية ولجان التغذية والتنظيم وغيرها، مع فتح مجال صغير لمشاركة الآخرين من الحزبيين والمستقلين ولكن تحت السيطرة، 4. لكن ما لا بد من الإقرار به أن الكثافة الإصلاحية قد أضاقت زخما كبيرا للفعاليات لكنها وسعت شيئا فشيئا من الهيمنة الإصلاحية التي لها ما لها وعليها ما عليها مما سنتناوله في موضع لاحق. وللحديث بقية