حزني عليك أبا نبراس!!
وتتوالى مواسم الأحزان وتتواصل مراسيم التشييع والتوديع، وتستمر التوأمة بين الحياة والألم والخوف والوجع. اليوم كالصاعقة تلقيت نبأ وفاة أخي وصديقي ورفيق رحلتي الزميل عادل صالح سعيد الجبيري (أبو نبراس) وقد كان الخبر صادما لأنني منذ يومين فقط كنت أقرأ له منشورا على فيسبوك وتعليقات عدة على عدد من منشوراتي، وتبادلنا الرسائل على خدمة الماسينجر حول عديد من الموضوعات. تعود قصة رحلتنا المشتركة أنا الزميل عادل وثلة من شباب ذلك الزمن إلى العام 1964/1965م حينما سجلنا للتعليم في مدرسة العمري، وهي عبارة عن مدرسة هجينة بين المعلامة التقليدية (الكُتَّاب) والمدرسة الحديثة حيث كانت تجمع بين تعليم القرآن والقراءة واالكتابة بالإضافة إلى تعليم مبادئ اللغة العربية، الإملاء الإنشاء، المطالعة وبعض النصوص الشعرية والمبادئ الأولية للحساب وبعض الموضوعات العلمية المبسطة، ولم تستمر المدرسة طويلا حيث أغلقت بنهاية العام 1965م نظرا لانصراف المعليمن إلى جبهات القتال مع الاستعمار البريطاني. انقطعنا عن التواصل حيث كان عادل ومعه مجموعة من الزملاء انتقلوا إلى عدن لمواصلة الدراسة، وانتظرت أنا وزملاء آخرون حتى افتتاح مدرسة رخمة الحكومية في العام 1969م وهي مدرسة بنيت بالمبادرات الأهلية. ونلتقي مرة أخرى في عاصمة المديرية رصد، حيث كان عادل قد أخذ دورة في المعهد الصحي تخثصص مختبرات، وجاء للعمل في مستشفى رصد الي افتتح في العام 1975 تقريبا، وهو الآخر بني بالمبادرات الجماهيرية الأهلية، وكان الفقيد أول فني مختبر في تاريخ المديرية، ومن خلال عمله هذا صنع عادل لنفسه مكانةً مرموقة بين جميع الأهالي الذين يزورون المستشفى للعلاج ومقتضياته بما فيها لإجراء الفحوص الطبية في المستشفى وأكسبه حبهم واحترامهم. عندما عدت للتدريس في إعدادية رصد استأنفنا اللقاءات من جديد، وكان عادل يشاطرني حالة الهوس بالقراءة، وتشاء الصدف أن هناك مكتبتان في المديرية (التي كانت مركزا إداريا في حينها) هما مكتبة المدرسة الإعدادية، ومكتبة منظمة الحزب، وكانت الأولى تحت تصرفي عندما كنت مديرا للإعدادية، وصارت الثانية كذلك عندما انتقلت للعمل في منظمة الحزب، كنا نلتقي بشكل شبه يومي ونستعرض الكثير من الأعمال الأدبية، الشعرية والروائية والقصصية، والنقدية، أو المواضيع الفلسفية والسياسية، وصارت هذه عادة شبه يومية لا ننقطع عنها إلا في العطل أو عند سفر أحدنا، وأعترف أن صداقتي مع الفقيد قد فتحت لي نوافذ عديدة للمعرفة والاطلاع . ولأن لا شيء يدوم فقد باعدت بيننا المسافات من جديد بعدما سافرت للدراسة الأكاديمية في بلغاريا، في 1983م ثم لاستكمال الدكتوراه في العام 1990م أما بعد حرب 1994م الظالمة فقد أخذت منا نتائجها الكارثية جل الاهتمامات، لكننا بقينا على اتصال بين الفينة والأخرى. وقد كان الفقيد أبو نبراس ناشطا حزبيا منذ زمن الخلايات الطلابية مطلع السبعينات وظلت هذه الرابطة تجمعنا في الفعاليات الحزبية المختلفة، حتى بعد العام 1994م حيث التقينا في المؤتمرات الحزبية العامة وفي الاجتماعات الموسعة، وكان عادل من أولائك المتشبثين بمواقفهم والمؤمنين بمبادئهم والعصيين على التعايش مع الاستبداد والفساد ولم يكن قط من المهادنين في فضايا الحق ومصالح الوطن، ولا من اللاهثين وراء المصالح الآنية والموسمية المفسدة للأخلاق والضمير. كان الفقيد أبو نبراس من بين الناشطين البارزين في فترة الثورة السلمية الجنوبية، وتجسد حضوره من خلال المشاركة في عشرات الفعاليات السلمية التي عقدت في المديرية وخارج المديرية، وحتى يوم وفاته كان أحد الناشطين البارزين في فعاليات المجلس الانتقالي الجنوبي على مستوى مديرية رصد ومحافظة أبين. الفقيد عادل من الأشخاص الذين لا يغيبون بسهولة عن الذاكرة، فبصماته الكبيرة ومواقفه النبيلة وسمعته الطيبة وأخلاقه ومبادراته لا يمكن أن تنمحي بسهولة. لقد أصابني الحزن الشديد لافتقادي واحد من أبرز الرفاق وأجمل الأصدقاء وأنبل الزملاء، وكنا في تواصلاتنا نعد العدة لمعاودة اللقاء، بمجرد انفراج الأوضاع والتخفيف من الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا. لكن ألأقدار الإلهية لا تقدر التخطيطات ولا تراعي الاعتبارات ولا تعرف المجاملات أو التمييزات. وصدق العزيز الحكيم القائل في محكم كتابه " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". وبهذا الحدث الجلل أعزي نفسي وأعزي اولاده نبراس ولطفي وإخوانهم وأخواتهم وعمهم يس صالح سعيد والعزيز رياض ثابت المطري وزوجته ووالديه، وجميع أهله الفقيد أبي نبراس وذوي، وكل زملائه ورفاقه ومحبيه وإنا لله وإنا إليه راجعون