المبادرة السعودية بين الأقلمة والتدويل
ليس من السهل اعطاء تعريف دقيق لمصطلح الأقلمة ، حتى يمكن تعريف المبادرة السعودية للسلام في اليمن انها ارادت حصر حل الأزمة اليمنية سلمياً من قبل اطرافها الأقليمية حتي لا يتم تدويلها فهل يعني مصطلح الأقلمة مجرد الموقع الجغرافي او الجوار الجغرافي فقط ، و هل يستند على معيار اثني واللغة المشتركة والتاريخ الجامع للدول كما هي جامعة الدول العربية ، و دول مجلس التعاون الخليجي ، ودول المغرب العربي ، او التقارب الجغرافي مثل حال منظمة الوحدة الافريقية ومنظمة دول امريكا ، ودول االاتحاد الأوروبي . ولذلك تفادى ميثاق الأمم المتحدة تعريف مفهوم الأقلمة في الفصل الثامن من الميثاق المخصص “ للتنظيمات الأقليمية “ والذي نصت الفقرة الاولي من المادة ( ٥٢ ) الإكتفاء بالقول دون تعريف “ ليس في هذا الميثاق مايحول دون قيام تنظيمات اقليمية تعالج من الامور المتعلقة بحفظ السلم والامن الدولي “ وتطرقت الفقرة الثانية الي دور اعضاء التنظيمات الاقليمية “ ببذل كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية “ وتمثلت المرحلة الأولي من الازمة اليمنية بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي رحب بها قرار مجلس الأمن الدولي برقم ٢٠١٤ لعام ٢٠١١ وحث فيها الرئيس اليني السابق علي عبدالله صالح على التوقيع عليها وتكليف الامين العام بان كي مون مبعوثاً له السيد جمال بن عمر للوساطة بين اطراف النزاع اليمن تلاها بعد ذلك صدور قرار مجلس الأمن الدولي برقم ٢٢١٦ لعام ٢٠١٥ الذي أكد علي الدور الأقليمي في النزاع اليمني بالنص التالى “ واذ يحيط ( مجلس الأمن ) علماً بالرسالة المؤرخة ٢٤ مارس / آذار ٢٠١٥ الموجهة من الممثل الدائم لليمن لدي الأمم المتحدة التي يحيل بها رسالة من رئيس اليمن يبلغ فيها رئيس مجلس الأمن انه “ قد طلب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية تقديم الدعم على الفور ، بكل الوسائل والتدابير اللازمة ، بما فيها التدخل العسكري ، لحماية اليمن وشعبه من استمرار عدوان الحوثيين “ ويتضح من هذا النص ان الرئيس اليمني ابلغ مجلس الامن الدولي انه وجه طلب المساعدة الي منظمة اقليمية خليجية ممثلة بمجلس التعاون الخليجي والى جامعة الدول العربية المنظمة الاقليمية الأوسع بعضوية جميع الدول العربية ومن هذا التسلسل جاء تشكيل قوات التحالف العربي التي ضمت قوات من بعض دول الاقليمين لمجلس التعاون الخليجي ومن جامعة الدول العربية طلب اليمن مساعدتها خليجيا وعربياً لمواجهة انقلاب الحوثيين علي السلطة الشرعية هو ترجمة لنص الفقرة الثانية للمادة ( ٥٢ ) من الميثاق المتعلقة باوجه التعاون بين المنظمة الدولية والمنظمات الاقليمية “ ببذل جهودهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية " وكما كان طلب المساعدة انفراديا من قبل اليمن جاءت المبادرة السعودية ايضا بمبادرة فردية من المملكة العربية السعودية ، لكونها تتولى قيادة قوات التحالف العربي لدعم اليمن من جهة ، ولكونها ايضا الدولة الجارة مباشرة لليمن ذات حدود مشتركة معها ، ولان الخطر كما تبين لها لا يقتصر على الحوثيين فحسب بل من الايرانيين الذين عثروا على الحوثيين مدخلاً لهم للتغلغل من خلالهم الى الخليج العربي وتهديد الأمن القومي العربي. ان المبادرة السعودية انطلقت من الرياض عبر وزير الخارجية للملكة العربية السعودية ، فهي كما ذكرنا مبادرة من جانب واحد ولم تطلق من قبل منظمة اقليمية كالمبادرة الخليجية ، ولم تطلق من قبل احد من المبعوثين الاممي او الامريكي ، ولكن هذا لا يعني بالضرورة برغم انفراديتها انه لم يتم التشاور وتبادل وجهات النظر حولها قبل اطلاقها مع من يعنيهم الامر ، وخاصة على مستوى الحكومة اليمنية المعنية مباشرة ببنود المبادرة واهدافها ولهذا لم يكن مستغرباً تاييد المبادرة السعودية مباشرة بعد اطلاقها من قبل الحكومة الشرعية وعلى مختلف المستويات عربيا ودولياً وللتذكير نشير الي اهم بنود المبادرة التي جاءت علي لسان وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان في المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرياض يوم الأثنين ٢٢ مارس الماضي. تهدف المبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياي شامل ، تتضمن وقف إطلاق نار الشامل تحت مراقبة الأمم المتحدة ، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي بالحديدة وفق إتفاق استوكهولم بشأن الحديدة ، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية ، وبدء المشاورات بين الاطراف اليمنية للتوصل الي حل سياسي للأزمة ايمنية برعاية الأمم المتحدة بناء علي مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦ ، والمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل. وتظهر القراءة السريعة لهذه المبادرة انها سعت بدوافع انسانية وفي نفس الوقت تلبية بعض مطالب الحوثيون خاصة في ما يتعلق بفتح مطار صنعاء الدولي وان كان تم تقييد ذلك بعدد من الرحلات المباشرة الاقليمية والدولية ، واستكمال تنفيذ اتفاق استوكهولم الذي تم التوقيع عليه من جانبهم وممثل الحكومة الشرعية. وفيما يخص الحكومة الشرعية التاكيد علي ما تحرص عليه دائما الشرعية اليمنية علي تنفيذ مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦ ، والمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني. وقد رحبت الحكومة اليمنية بمبادرة السعودية لانهاء الأزمة واعلنت وزارة الخارجية في بيان لها ترحيبها بشان وقف إطلاق النار الشامل وفتح مطار صنعاء لعدد من الوجهات واستكمال تنفيذ اتفاق استوكهولم ودخول السفن بكل انواعها مادامت ملتزمة بقرار مجلس الأمن الدولي ودعم العودة للمشاورات السياسية. واعلنت فعلاً الحكومة اليمنية انها سمحت بدخول عدد من سفن الوقود الي ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين في سياق حرصها علي التخفيف من حدة الأزمة الأنسانية في مقابل هذا الترحيب للحكومة الشرعية بالمبادرة اكد المتحدث باسم الحركة الحوثية محمد عبد السلام علي موقف الحركة من ضرورة رفع الحصار عن البلاد الذي يفرضه التحالف حسب تعبيره ، مما يعني ذلك نعم لوقف اطلاق النار دون التزام من جانبهم ببدء التفاوض للتوصل الي حل شامل للأزمة اليمنية. وفي غضون يومين بعد إطلاق المبادرة السعودية وتحديداً في يوم الأربعاء ٢٤ مارس الماضي صرح رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون في مجلس العموم البريطاني إنه لا يستبعد نشر قوات في اليمن في إطار مهمة مستقبلية للإمم المتحدة، مستدركاً تصريحه “ بانه لايوجد طلب أو اقتراح لإرسال قوات بريطانية الي اليمن > مؤكداً أن بلاده مستعدة للنظر في ذلك > في حال طلبت قوة تحقيق السلام التابعة للأمم المتحدة “ واذا حدث ذلك فعلاً ستكون سابقة أولي في النزاعات اليمنية والتي حدثت مرة واحدة في حرب ١٩٦٣ بين الملكيين والجمهوريين عقب الأطاحة بنظام الأمامة في سبتمبر ١٩٦٢ ، والتي استدعت الأمم المتحدة ارسال مراقبين دوليين الي اليمن ، في حين في حرب صيف عام ١٩٩٤ فشلت الأمم المتحدة في فرض وقف اطلاق لنار الذي طالب به مجلس الأمن في القرار ٩٢٤ لعام ١٩٩٤ ، وتاكيده علي ذلك مجدداً في القرار ٩٣١ لعام ١٩٩٤، على اهمية وقف إطلاق نار يشمل جميع العمليات الأرضية والبحرية والجوية وتنفيذه تنفيذا فعالا ، بما في ذلك بوضع الأسلحة الثقيلة في أماكن تجعل عدن خارج مرماها وطلب مجلس الأمن من الأمين العام مواصلة المحادثات مع جميع المعنيين بهدف وقف دائم لاطلاق النار وإمكانية إنشاء آ لية مقبولة للجانبين ، يفضل أن تشترك فيها بلدان من المنطقة لرصد وقف اطلاق النار وهوماتم رفضه نظام الرئيس صالح. فهل الان يمكن الاستفادة من تجربة حرب ١٩٩٤ آخذين في عين الأعتبار ان الحوثيين تجمعهم مع نظام الرئيس صالح نفس المواقف والثقافة بعدم الألتزام بالتعهدات والمواثيق ! مايثير القلق في تصريحات جونسون قوله “ أن الأنباء عن وقف اطلاق النار بين القوات السعودية وجماعة الحوثي أمر مشجع “ يخشي المرء ان يفهم رئيس وزراء بريطانيا ان المبادرة السعودية تقتصر ان تكون بين السعودية والحوثيين لان نص المبادرة طالبت بوقف اطلاق النار الشامل وبالتالي يشمل ذلك المناطق اليمنية ايضاً. وسنرى في الأخير كيف سيتم معالجة وتفسير طلب وقف اطلاق النار