خمسة أسباب اجتماعية تدمّرنا وتمجّد الحروب في بلادنا.
لو سنح الفكر بطريقة فلسفية تعتمد على تحليل وتفكيك النظرية الفكرية الاجتماعية في بلادنا؛ سيبرز للمفكّر والمتأمّل أن هناك خمسة أسباب تجعلنا نتقاتل دون توقف ، ولن يتمكّن المرء من الوقوف اليسير لتأمُّل الحالة الموحية للتعايش السلمي بين المواطنين المتساويي الحقوق المدنية العادلة، فضلًا عن المعالجة الجذرية لبعض التراكمات التي غرست في العقلية الاجتماعية بوعي أو بدون وعي سياسي جيد خلال المراحل التاريخية التي مرّت بها اليمن. ولنتأمّل بعض هذه العناصر التي غابت عن البعض وفي نفس الوقت ينتهزها البعض لتمرير أجندات متباينة ومتضادّة لا تخدم الصالح الوطني بل الجوانب الشخصية البحتة: ١- صناعة العنصرية من رسم الخيال: فنحن فنانون في العنصرية، نصنعها بحسب المصالح الشخصية والسياسية، ونزرعها في عقول أبنائنا، لنمزّق النسيج الاجتماعي من حولنا. في داخل القبيلة الواحدة عنصرية، وبين القبائل عنصرية، وبين الأحزاب أقبح انواع العنصرية التي تمتدّ من المدن والقرى، والقائمة تطول وتتجدّد. أعرف قريتين، تبعد إحداهما عن الأخرى ١٠ كم؛ ولكن أبناء إحدى القرى يقولون نحن من الشرق والأخرى من الغرب. نبحث عن الأشياء التي تفرّقنا كي نشعر بتميّزنا عن بعضنا البعض، ونبحث عن ما يقرّبنا بالشعوب الأخرى حتى نندمج معها طلبًا للمصالح الشخصية. نصنع العنصرية في داخل الوطن، ونزرعها في عقول أبناءنا من خلال القصص السلبية عن الآخرين -بغض النظر أكانت هذه القصص صحيحة أم ردّة فعل تجاه الآخر-، الأشعار وحتى النكات الاجتماعية التي قد تكون إحدى معالم تفشّي العنصرية تجاه إقليم أو قبيلة أو حزب أو مكوّن اجتماعي يخدم الوطن، حتى صارت العنصرية موضة تتجدّد مع متطلبات الظروف السياسية لغرض المنافع الدنيوية. لن نشعر بالسلام أو الأمان، حتى نبدأ بالرجوع لقيمنا الإسلامية والعربية الحقيقية والإنسانية. دعونا نقيّم أنفسنا كبشر، فكلٌّ منّا له الحق في العيش بكرامة وعزّة، وأمان وعدل ومساواة وهي القيم التي حملها الإسلام وكافحة عنها الشيم العربية الأصيلة قبل أن تتلوّث بالمطامع والجوانب الشخصية. اتركوا صنع العنصرية الضيقة، ولنركّز على ما يجمعنا؛ لأن في ذلك مصلحتنا جميعًا. فلا أحد يستطيع داخل اليمن أن ينهي وجود الآخر، وتاريخنا أكبر دليل على ذلك. ٢- الإتكالية الإجتماعية والسياسية: كمجتمع، هناك درجة كبيرة من الاتكالية. أسرة واحدة تتّكل على شخص في مأكلها ومشربها، أما البقية فمتَّكلين لا يحملون هم الأسرة، وفاقدين حِسّ المسؤولية؛ فعندما يصبح الفرد عاجزًا أو فاشلاً في خدمة أسرته، يكون الوقت قد ضاع لتفادي الكارثة. أما إن كان الجميع مشاركًا في خدمة الأسرة الواحدة من عمل ورقابة ومسائلة، يسهل على الأسرة أن تتجنّب أي أزمة قادمة أو مستقبلية. وفي ذلك حسب اعتقادي يكمن مفهوم الاتكالية السياسية. بمعنى، عندما يوكّل أفراد المجتمع أمرهم السياسي لأشخاص بدون إدراك ووعي أو تحليل للواقع، إنما سلّموا أرزاقهم وكرامتهم لغيرهم، ورهنوا مستقبل أولادهم وأحفادهم عن طريق الاتكالية لآخرين يقودون السفينة بدون وعي وحكمة ومسؤولية. والكارثة عند الفشل، لا يمكن معالجتها. فيصبح أفراد المجتمع "مع التيار"، كنتيجةً طبيعية للاتكال، ومع الفوضى وعدم الوضوح، يصبح المجتمع يرحّب بأي كائن فضائي ليعيد شيئًا من الهدوء والاستقرار المفقود. ما دمنا نوكِّل الآخرين على كرامتنا ومستقبل أجيالنا بدون مُسائلة ومراقبة ومشاركة، حتمًا سنقع في كوارث لا تنتهي. يجب أن نستبعد كلمة "مع التيار" فتحكمنا المشاعر العاطفية الهائجة عن علم أو جهل، وأن نسأل أنفسنا أين مصلحتنا، كرامتنا، وطننا -وطن الجميع بلا استثناء-، وأين مستقبل أبناءنا وأجيالنا، ويجب أن نشارك في الحوارات وأن نلهم أحقيّة السؤال للجميع، ولنسأل الآخرين ونسائلهم عن أفعالهم و وتصريحاتهم وسياساتهم، فالحق لا يغضب إلا كارهيه. فكلمة "ماشي حولي"، يجب أن تنتهي من قاموسنا الوطني. فإن لم تكن أنت المعني بقضيتك الوطنية فمن هو المعني بها إذًا؟ ٣- النخب الوطنية والقيم الاجتماعية: للأسف؛ نجد أغلب النخب الوطنية وغيرهم من المؤثرين في الساحة السياسية، يقارنون قيمتهم بشكل تنافسي ضد بعضهم البعض، ولا يقيّمون حال الوطن بالأوطان الأخرى المحيطة على أقل تقدير. ينظرون إلى وزنهم التأثيري، وليس إلى تأثير الوطن على الساحة الدولية. فما يجري من تحالفات على الساحة الوطنية، أغلبها تحالفات من أجل الذات، وليس من أجل الشعب أو الوطن. إلى الآن، لا يوجد شعور بالوضع الخطير على بلدنا، بقدر الشعور بخطر استحكام المصالح الحزبية والمجموعات المصلحية. يجب أن تتغير طريقة التفكير لدى النخب، عليها أن تفكّر في مستقبل أجيالها القادمة، وتغير من سلوكها من أجلهم على الأقل. واذا استمر هذا التفكير، فالجميع خاسر، وقد يضمحلّ حلم الوطن ذو المقدّرات والإمكانات إلى وطن مشوّه خديج؛ فنصبح كطوائف الأندلس. ٤- التمسُّك بالماضي : التمسك بالرجوع إلى الماضي إن لم يكن لأخذ العبرة والاستفادة من الأخطاء هو فشل وعجز استراتيجي في بناء مستقبل أفضل. انتهى حكم البريطانيين في عدن، وانتهى حكم الأتراك في صنعاء، وانتهى حكم السلطنات في الجنوب، وانتهى حكم الأئمة في الشمال، وانتهى حكم الاشتراكية في الجنوب، وانتهى حكم السلال، الارياني، الحمدي، الغشمي، وصالح. الماضي رحل، بإيجابياته وسلبياته، حتى بلاد الأندلس على مساحتها الشاسعة تبدّلت وانتهت. فلا نضيّع وقتنا وطاقتنا في صنع آلة الزمان للرجوع للوراء، فلن تنجح. ما نملكه هو المستقبل، والمستقبل يريد رؤية واضحة للوصول إليه، يحتاج مشاريع تضم الجميع دون أدنى مزايدة على وطنية الآخرين الصادقين من أبناء الوطن جميعًا. الجميع لديه مظلومية؛ ولكن الجميع أيضًا يريد مستقبلًا أفضل، فيه كرامة للجميع. ولننظر إلى المسقبل بجدية وبلغة المصالح، ولا ننظر للماضي ولو كان جنة الفردوس. أبانا آدم أخرج من الجنة إلى الأرض، فلم يجلس ينتظرها مرة أخرى، بل عمل على الأرض وصلى لله عزوجل. ٥- أرض المليون مناضل: الجزائر أرض المليون شهيد، ونحن أرض المليون مناضل. الوطن مظلوم، وجميعنا مظلومين. فلا داعي للمزايدة في قولنا وتصريحاتنا: أنا المظلوم وغيري لا. فقد أصبحنا نعرّف أنفسنا بين الناس: ب"ابن الشهيد" أو "المناضل الكبير" او "المقاوم" او "المجاهد" وغيرها الكثير. طبعًا، أنا لست في موقع التأكيد أو النكران لذلك؛ ولكن بلدنا أصحبت أرض المليون مناضل. دعونا نقول أننا أبناء "الشعب المناضل"، ولننظر إلى المستقبل فقط. فلن نجد بيتًا واحدًا في بلادنا إلا وخسر أحد أفراده. فيكفي مزايدة يا أبناء الوطن لأجل أجيالنا القادمة إن كنا صادقين.