الجنوب ليس أرضاً بلا شعب
قالها لي زميل مثقف وشخصية إعلامية معروفة: "من غير المعقول أن هذه المسافات الشاسعة والسواحل الطويلة والثروات الطائلة أن تكون لاثنين مليون جنوبي، بينما عشرين مليون شمالي محشورين في المنطقة الجبلية الفقيرة" وكان الحديث يدور في العام 2012م في ذروة ثورة الحراك السلمية الجنوبية بعد أن يأس شباب الثورة الجنوبية من الرهان على ثورة الشباب السلمية حيث تحولت إلى صفقة سياسية بين الحكام والمعارضين في صنعاء وحصد كل من الطرفين حصته من الكعكة موضوع الخلاف. منذ ذلك اليوم طرأت أحداث وتغيرت عناوين واستحدثت مواقف ونشأت تحالفات وتفككت أخرى، لكن المعطى الرئيسي لم يتغير وهو أن أرض الجنوب الواسعة ذات الثروات الوافرة والسكان القليلين يجب أن تمنح لسكان الشمال كثيري العدد الذين يقيمون على أرض ضيقة قليلة الثروات. لكن المسألة ليست بهدا التبسيط ولا بهذه السطحية لأن أرض الجنوب ومركزها التاريخي والحضاري عدن ظلت مفتوحة لكل من يفد إليها، منذ أن قطنها أول إنسان وأقام عليها ما استطاع من المعالم الحضارية بمعايير العصور المختلفة، ولم تكن قد أرضا طاردة لكل من يأتي إليها باحثا عن الأمان راغبا في العيش والتعايش، لكن هذا شيء وما نحن بصدده شيء آخر، فمن يتصنعون دور الشريك لا يكتفون بمشاركة أبناء الجنوبي في الحقوق والمعيشه والاستمتاع بالثروة، بل إنهم فوق هذا يصرون على أن يتحكموا في مصائر أبناء البلد الأصليين ويحددون لهم خياراتهم نيابة عنهم ويحولونهم إلى مجرد أتباع باعتبارهم أبناء الفرع الذي عاد إلى الأصل، وبتعبير أخر فإن المطلوب هو ليس الشراكة بمنطق الندية والمساواة، بل منح الأرض التي شعبها قليل العدد للشعب كثير العدد الذي أرضه أضيق من أن تتسع له * * * تتواصل عملية حشد الحشود وتسليح الجنود وتجميع القوافل القتالية القادمة من مأرب وشبوة وحتى من صحراء ووادي حضرموت والمهرة، مصداقا لما قاله أحد قادتهم ذات يوم بأنهم سيدخلون عدن وبالقوة المسلحة، وحدد مناطق الانطلاق ونقاط الاتجاه، . . . يأتي هذا في حين تتواصل عملية التشاور الذي ترعاه المملكة العربية السعودية الشقيقة بين وفدي المجلس الانتقالي الجنوبي وسلطة الرئيس هادي الشرعية، مما يعني أن للشرعية شرعيات (كما قلنا مرارا) إحداها تحاور وأخرى تتباكى وتشكو من تمرد الطرف الجنوبي وثالثة تخرق الاتفاق وتعد العدة لتنفيذ الخطة المرسومة للتخلص من أرق هذا الاتفاق الذي لا يدرون كيف تورطوا ووقعوه. من أكثر الأمور التي أمقتها التباهي بالقتال والمقاتلة والفرح بقتل الأخر حتى لو كان معاديا، وكما يعلم الجميع بأن الشعب الجتوبي ليس ميالا إلى إعلان الحرب على أحد، ناهيك عن أن يكون ميالا إلى الاعتداء على سواه، لكنه (أي الشعب الجنوبي) عندما يجد نفسه مخيراً بين أن يموت مسالما أو مواجها فإنه سيضطر إلى اختيار المواجهة، والذين لم يتعلموا من دروس العام 2015، وما تلاها من أحداث مؤسفة عليهم أن يعلموا أن المعتدي لا يمكن أن يمر بسلام ويصل إلى مبتغاه دون أن يدفع الضريبة، لكن الضريبة هذه المرة لن تكون كسابقاتها، فعلى أمهات المقاتلين الشماليين الذين يستغفلهم مصاصو دماء الشعب أن يعددن لأبنائهن أكفاناً مناسبة ونعوشاً تليق بحب الأم لابنها، وليثقن أن من يلقون بأبنائهن إلى المحرقة لن يجدوا الوقت ليقدم لهن برقيات العزاء لأنهم مشغولون بالاستمتاع بالراحة اللازمة تحت المكيفات في فنادقهم الأنيقة المزودة بالحمامات البخارية ووسائل الرفاهية الهاي لوكس في ظل الرعاية الكريمة للأشقاء.