رسالة لودر
بالامس القريب سالت دماء جنوبية في لودر، هذه المدينة الجنوبية التي تحكي تناغم جنوبي متنوع من كل الطيف الوطني، وحتى من خارج الجنوب، وهذا التنوع لم يقترن، لا بسنوات الاحتلال البريطاني للجنوب العربي ولا بالاستقلال ولا بالوحدة المدفونة، ولكنها سمة تتميز بها لودر طوال تاريخها. تعرضت لودر على وجه الخصوص خلال عام ٢٠١١م لصراع دام راح ضحيته العشرات من خيرة شبابها عندما تُركت ابين كلها نهبا للتطرف في ظل وجود معسكرات عفاش المزروعة هناك بالعشرات، ودفع الشهيد سالم علي قطن، تقبله الله، دفع حياته ثمنا لصدق توصيفه عندما قال بعد تحرير ابين (ان جماعات التطرف عادوا الى معسكراتهم). نافورة الدماء في لودر وقبلها فض فعالية عبدان وما سبقها من دماء في عدن وابين منذ اغسطس ٢٠١٩م، كلها تحكي مفهوم واحد وهو ان أبناء الجنوب ادمنوا ثقافة الصراع، ففي الوقت الذي لا زال فيه الجنوب يمر في نفق مجهول باشرنا باستئناف دورات الدم التي عصفت بالجنوب منذ ما قبل ١٩٦٧م. بتهم (التمرد والارهاب) التي نطلقها على بعضنا نختلق المبرر الاخلاقي لنقتل بعضنا، وفي ذات الوقت نتشدق بضرورة الحوار لكن البندقية وميدان القتال تسبق الرؤى وطاولات الحوار. بالامس خرجنا ضد نظام العربية اليمنية رفضا للظلم والقهر الذي تعرضنا له عندما تم ابعادنا من وظائفنا ودمرت مؤسساتنا وتحولنا الى (خليك في البيت)، واليوم نحن نمارس ضد بعضنا أسوأ مما مارسه ذاك النظام ، فذاك النظام كان يحرمك من وظيفتك، لكنه يخليك في بيتك، اما نحن فنتبادل الحرمان من الوظيفة والتهجير من البيوت كلٍ في منطقة سيطرته، ولا هذا الطرف يأمن عند الذهاب الى مناطق سيطرة ذاك الطرف، ولا ذاك الطرف يأمن على نفسه في مناطق سيطرة هذا الطرف. ما قيمة الوطن اذا لم تحفظ فيه كرامة أبناءه وتصان فيه دمائهم وحقوقهم ويامنون فيه على انفسهم وذويهم، فلم تحدث الهجرات الا عندما يتم الانتقاص من هذه المقومات وليس هناك من يهجر وطنه واهله عبثا. لن يستقيم حالنا في الجنوب الا اذا استبدلنا ثقافة الاقصاء بثقافة الشراكة في الوطن وفي الحق والواجب، واذا استبدلنا البندقية بالرأي والرأي الآخر، واستبدلنا ميدان القتال بطاولات الحوار، وعدى ذلك فلن تكون دماء لودر هي الاخيرة، وسنبقى هكذا (الحجر من القاع والدم من رأس الجنوبي).