الجنوب قبل وبعد عاصفة الحزم
عشية انطلاق عاصفة الحزم كانت محافظات الجنوب تغلي ثورةً وغضباً ورفضاً لسياسات (شرعية) ١٩٩٤م التي تواصلت رغم سقوط رأس النظام، ويتذكر الجميع عشرات الأسماء التي سقط أصحابها برصاص الأمن المركزي الذي كان يقوده ابن شقيق الرئيس، وهم في فعاليات احتجاجية سلمية، وعلى رأس هذه الأسماء العميد محمود حسن زيد والمهندس خالد الجنيدي والدكتور زين محسن اليزيدي وآخرون كثر لا يتسع المجال لسرد قائمة أسمائهم (الحديث هنا عن شهداء ٢٠١٥ فقط). عندما انطلقت العاصفة كانت المستشفيات الحكومية في كل محافظات الجنوب تقوم بعملها (ولو بشكل رديء)، وكانت الكهرباء تنقطع ساعتين إلى ثلاث في اليوم الواحد فقط، وكانت رواتب الموظفين الحكوميين تأتي آخر كل شهر وقد تتأخر بضعة ايام من الشهر التالي، وكان سعر الدولار 225 ريال يمني والريال السعودي ليس أكثر من 60 ريال، وكانت المرافق الحكومية سيئة الاداء ومكتظة بالفساد لكنها كانت تمارس عملها الروتيني بشكلٍ يومي. هذه ليست إشادة بنظام ما قبل 2015م، وبالتحديد ما قبل 2011م لأن رئيس النظام هو نفس رئيس ما بعد العاصفة وإن بقيت الدولة العميقه كما كانت قبل ٢٠١١م، أقول ليست إشادة لأن تلك وظائف بديهية لكل الانظمة، العادلة والظالمة، الفاسدة والنزيهة، ولكن ما نتحدث عنه حقيقة لا يمكن إنكارها، مع إن لنا آلاف التحفظات والاعتراضات على سياسات ذلك النظام وفي مقدمتها آلاف الجرائم التي ارتكبهتا أدواته القمعية بحق الجنوب والجنوبيين طوال ربع القرن ما قبل العاصفة، فماذا جنى الجنوبيون من عاصفة الحزم؟؟ كان تحرير محافظات الضالع ولحج وأبين وشبوة من اجتياح التحالف الانقلابي وكذا دحر جماعات داعش والقاعدة وأنصار الشريعة من عدن وأبين وشبوة وحضرموت، كان نتيجة لتظافر عاملين أساسيين هما المقاومة الجنوبية التي برهنت قدرتها على إلحاق الهزيمة بأقوى قوة عسكرية وأشرس قوة مليشياوية عرفتمها اليمن، والدعم السخي من قوات التحالف العربي وبالخصوص القوات الإماراتية التي تولت ملف الجنوب، في إطار هذا التحالف، لكن التحرير وإن كان غاية المقاومة الجنوبية السلمية التي بدأت بُعَيد حرب 1994م على الجنوب، والمسلحة التي أتت رداً على الاجتياح الانقلابي، هذا التحرير كان لا بد ان يغدو وسيلةً لاستعادة الوظائف الاساسية للدولة، وخصوصاً وظائف الخدمات والأمن والتموين وتفعيل أجهزة الإدارة والقضاء والنيابة العامة وتهيئة البيئة المناسبة لتنمية الموارد وتحسين حياة المواطنين الذين قدموا اغلى ما يملكون وهو فلذات أكبادهم لتحقيق هذه الغاية، في اتون هذه المعركة المركبة. للأسف لم يحصل شيئٌ من هذا، بل لقد خسر الجنوبيون فوق شهدائهم وجرحاهم الذين ما يزال بعضهم بدون علاج، خسروا ذلك القدر اليسير من خدمات ومرتبات وموارد ما قبل ٢٠١٥م، على تواضعها وندرة بعضها. ولنكون صريحين مع انفسنا ومع أهلنا ومع حلفائنا واشقائنا لا بد من الإقرار أن الجنوب اليوم يواجه حرب من ثلاث جهات هي: 1. العدوان الحوثي من قبل وكلاء إيران في اليمن. 2. الشرعية المخطوفة في الرياض التي تختطف الموارد وتمارس بها أسوأ وأقذر عمليات الفساد المكشوفة للجميع وأمام الجميع، وتترك الشعب يقترب من حافة المجاعة الجماعية. 3. الاطراف المتحكمة في صناعة سياسات وقرارات دول التحالف العربي التي تعاقب من انتصر لمشروعها وتكافئ بسخاء من يخذلها كل يوم ويسلم أسلحتها ودعمها مع الأراضي والمعسكرات والمواقع لعدوها (المفترض). إن المواطن الجنوبي يتساءل ببساطة وتلقائية: لقد كافأت دول التحالف العربي الأشقاء في الشمال بمئات المليارات من الريالات السعودية، وهناك من يتحدث عن نصف بليون ريال سعودي (اي خمس مائة مليار هي إجمالي خسائر الأشقاء في حرب اليمن) مقابل تسليمهم لجميع محافظات الشمال للقوات الحوثية، أفلا يستحق شهداء الجنوب ١٠٪ من تلك المليارت لبناء محطة كهربائية وبناء مستشفى حكومي أو تشغيل المستشفيات الحكومية القائمة في محافظات الجنوب، وتسليم الموظفين مرتباتهم التي ظلوا يستلمونها بانتظام (على تفاهتها وقلتها) حتى ٢٦ مارس ٢٠١٥م ومعالجة جرحى المقاومة الجنوبية وإعادة ترميم ما خربته الحرب من المنازل والمرافق والمنشآت. إننا لا نتسول أحداً شيئاً ولا نطلب شيئاً مجانياً، رغم إن النصر الذي حققه الجنوبيون يفوق في قيمته المادية والمعنوية مئات المليارات، لكننا نقول للأشقاء الكرام دعوا الجنوبيين ليستخدموا مواردهم وثرواتهم وهي كفيلة بتوفير كل هذا وتحقيق وفراً يحمي العملة من الانهيار ويعيد لها مكانتها ويعفيكم من كل الاستحقاقات التي عليكم تجاه من انتصر لمشروعكم فعاقبتموه على هذا الموقف. أيها الأشقاء الكرام! نرجو أن لا تتوقعوا أن صبر الجنوبيين لا حدود له فمن يخسر ابنه وداره وارضه وفوقها مصدر معيشه لا يمكن أن يواصل سكوته إلى ما لا نهاية مهما كان زهده في ماديات الحياة الدنيا، ومهما كان تواضعه إزاء مطامع المغريات الدينية، خصوصا وهو يرى المترفين يزدادون ترفاً واللصوص يزدادون غنىً وثروةً، وذوي الشهداء والجرحى يتضورون جوعاً وفقراً وألماً