بين التنافس والاستقطاب
التسابق بين الناس من السنن الازلية، من التسابق في الخير إلى التسابق على المغانم الشخصية او حتى الحزبية وربما القروية. التسابق المشروع هو التنافس الشريف للوصول للافضل، او لاختيار الافضل اعتمادا على مقاييس المفاضلة، وهي متعددة، من المفاضلة بين الرؤى والنظريات الى المفاضلة بين الخطط والدراسات وغير ذلك، وما يعنينا في هذا التناول هو اهم جوانب المفاضلة والتي تجري بين الاشخاص لتولي امر ما من امور ادارة المجتمع. ولأن التنافس حاضرا في كل زمان ومكان، فأن كل طرف يرشح افضل ما لديه من الاشخاص لتولي الأمر كي لا يجد الطرف الآخر عيبا او سلبية يأخذها على من يرشحه وهكذا تحظى المجتمعات بافضل ما لديها لتولي امورها، وتلكم هي الحالة السوية في المنافسة (ايجابية التنافس)، وقد يجد لها علماء الاجتماع توصيفات مختلفة لا تبعد عما ذكرناه. الحالة المغايرة لحالة التنافس بالافضل هي حالة الاستقطاب وهي الحالة الاشد خطرا على المجتمعات والاوطان، وغني عن القول ان صنّاع حالات الاستقطاب التي عصفت بالجنوب العربي منذ الاستقلال عن بريطانيا حتى اليوم اصبحوا تحت الثرى او مشردون في الاصقاع، اضاعوا وطن واضاعوا انفسهم. في حالة الاستقطاب المميتة يحافظ كل طرف على ادواته وعناصره مهما كانت فاسدة ليستخدمها في مواجهة الطرف الاخر، بل ويأمن الفاسدون من كل طرف من العقاب لأن كل طرف يحمي ادواته، وهكذا تصاب المجتمعات والاوطان بأسوأ ما فيها من كوارث بشرية تؤدي في النهاية الى ما آلت اليه سابقاتها من حالات الاستقطاب وما آل اليه صنّاعها. مغادرة ثقافة ونهج الاستقطاب الى ثقافة ونهج التنافس، ونسيان ثقافة الصراع واستحضار ثقافة الشراكة هي سبيلنا للوصول لوطن يتسع لنا، فلا تخلو المجتمعات من العيوب والاخطاء، لكن المجتمعات التي تحظى بقيادات تتعلم من اخطاء من سبقها هي من تنجح في ان تحفر اسمها بأحرف من نور في سفر تاريخ اوطانها ولنا في مانديلا جنوب افريقيا وكيجالي رواندا خير مثال.