مهادنة الغرب لانقلابات صالح والحوثيين
عنوان المقال قد يثير تساؤلات لغير اليمنيين؛ وربما أيضاً عند عدد من اليمنيين، بذكر اسم الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح في سياق الإشارة إلى وجود انقلابات؛ وليس انقلاباً واحداً، قام بها الرئيس السابق، ضد من قام بالانقلاب... وهل يعقل أن يقوم بانقلاب ضد نفسه ونظامه السياسي الذي استمر عقوداً عدة؟ وهل انقلاب «أنصار الله» الحوثيين ضد السلطة الشرعية حينذاك يمكن تصنيفه ضمن الانقلابات التقليدية التي تحدث في بعض دول العالم الثالث أم له خصائص مختلفة عن غيره من الانقلابات؟ وكيف يمكن تفسير استمرارية وجوده في المشهد السياسي اليمني منذ سنوات عدة، من دون أن يكسب شرعية استمراريته في السلطة خارج نطاق آلية الانتخابات؟ ولماذا مع ذلك تتعامل معه القوى الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة من دون فرض شروط على علاقاتها به؟ أليس هذا يظهر وجود نوع من مهادنة الغرب؛ خصوصاً نحوه، كما كانت أيضاً مهادنة نظام صالح من قبله؟ ولماذا في حالة ووضع السودان أخذ انقلاب قائد القوات المسلحة السودانية على المكون المدني أبعاداً جد مختلفة عن تعاملهم مع نظام صالح سابقاً والحوثيين في الوقت الحاضر؟ في البدء؛ تتوجب الإشارة إلى أن الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) توالت فيها الانقلابات العسكرية منذ «ثورة» 26 سبتمبر (أيلول) 1962 باستثناء فترة قصيرة تولت فيها شخصية مدنية (القاضي عبد الرحمن الإرياني) مداميك السلطة، واغتيل خلفه، في انقلاب أبيض، المقدم الرئيس إبراهيم الحمدي، وتلاه اغتيال المقدم أحمد الغشمي، ليتولى بعد ذلك علي عبد الله صالح الذي أزاح بعجالة القاضي عبد الكريم العرشي الذي كان رئيس مجلس الشعب التشريعي وتولى رئاسة اليمن في أقصر فترة لرئاسة دولة من 24 يونيو (حزيران) إلى 18 يوليو (تموز) من عام 1987. وبقيام دولة الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 22 مايو (أيار) 1990 على أساس إرساء نظام ديمقراطي جديد يختلف عن النظامين الشموليين السابقين للدولتين، أقروا في اتفاقية الوحدة مرحلة انتقالية بنهايتها يُنتخب برلمان جديد، وسلطة تنفيذية تستمد شرعيتها عبر الانتخاب العام المباشر من مواطني الدولتين السابقتين. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن علي عبد الله صالح جرى اختياره بالتوافق بين الطرفين رئيساً لمجلس رئاسة مكون من 5 أعضاء وفق ما أقرته اتفاقية الوحدة وبناء على نص دستور الوحدة، وعلى أن تُجرى انتخابات عامة حرة ونزيهة لمجلس النواب لدولة الوحدة بديلاً للمجلس النيابي الذي تأسس من خلال دمج برلماني دولتي الوحدة. وقد استخدم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الحرب والتشريع أداتين للانقلاب بغرض استحواذه على السلطة لأطول مدة ممكنة وبشكل مطلق؛ عبر الحرب بإشعالها عام 1994 ضد الجنوب شريكه في الوحدة بإلغائه الوحدة التوافقية بالوسائل العسكرية. واستخدم التشريع لإلغاء الأسس القانونية لدولة الوحدة عبر إجراء تعديلات عدة على دستور الوحدة التوافقي بين الدولتين السابقتين... فقد أقر مجلس النواب اليمني في أكتوبر (تشرين الأول) 1994 بعد الحرب تعديل 80 مادة من أصل 131 مادة من دستور الوحدة المستفتى عليه في مايو (أيار) 1991، وهذا يعدّ دستوراً جديداً وليس مجرد تعديل دستوري استبدلت فيه بمجلس الرئاسة بوصفه هيئة تمثيل الشمال والجنوب، هيئة فردية ممثلة في رئيس الجمهورية. والتعديل الآخر المهم تمثل في تحديد مدة الولاية الرئاسية بفترتين فقط، حيث نصت المادة «111» على أن مدة رئيس الجمهورية 5 سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أداء اليمين الدستورية، وأنه لا يجوز لأي شخص تولي منصب الرئيس لأكثر من دورتين؛ مدة كل دورة 5 سنوات فقط، وذلك بدءاً من سريان مدة الرئاسة. واستثناء لهذا النص؛ أقرت المادة ما قبل الأخيرة أن يُنتخب رئيس الجمهورية لأول مرة عقب إقرار التعديل الدستوري من قبل مجلس النواب. وتفسيرنا لهذا الاستثناء يعود إلى مخاوف السلطة من أن يظهر التصويت المباشر الانقسام بين الناخبين في الشمال والجنوب بين من يشارك ويقاطع الانتخابات بسبب حرب 1994، وألقت الحرب بظلالها مجدداً بعدم الالتزام بنص دستوري آخر قاضٍ بأن يُنتخب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية، وأن يكون مجلس النواب ملزماً بأن يزكي لمنصب الرئيس شخصين على الأقل؛ حيث اكتفى مجلس النواب بتزكية شخص واحد؛ هو علي عبد الله صالح، وربما مرد ذلك إلى تخوف آخرين من ترشحهم أمام من عُدّ حينها بطلاً بانتصاره في حربه ضد «الانفصاليين» في الجنوب. في 2001 جرى الاستفتاء على تعديل دستوري آخر في فبراير (شباط) - مارس (آذار) أهم بنوده تمثلت في تغيير مدة ولاية رئيس الجمهورية من 5 سنوات إلى 7 سنوات في اتجاه معاكس لما حدث في دول أخرى، مثل فرنسا والسنغال، اللتين خفضتا مدة الولاية الرئاسية من 7 سنوات إلى 5 سنوات للتماشي بالنسبة إلى فرنسا مع ما هو معمول به في دول الاتحاد الأوروبي، وقامت بدورها السنغال بعمل الشيء نفسه لتأثرها بالنموذج الدستوري الفرنسي بوصفها مستعمرة سابقة لها. وتضمن التعديل الدستوري الجديد زيادة مدة ولاية مجلس النواب أيضاً بسنتين من 4 سنوات إلى 6 سنوات، وهنا تدخلت «الخصوصية اليمنية» في التعديلات الجديدة بتطبيق سريان هذا التعديل بأثر رجعي وليس ابتداءً من نهاية الولاية النافذة. فالرئيس صالح؛ الذي انتخب في عام 1999 لمدة 5 سنوات ويفترض انتهاء مدة ولايته في سبتمبر 2004، مددت ولايته مع التعديل إلى 2006، ومجلس النواب المنتخب في عام 1997 لمدة 4 سنوات ويفترض انتهاء ولايته في أبريل (نيسان) 2001، مددت له حتى أبريل 2003. وهذا يعني بوضوح أن السنتين المضافتين لولاية الرئيس ومجلس النواب لم تأتيا عبر الانتخاب الذي يضفي الشرعية الدستورية كما ينص الدستور. والسؤال المطروح: ما دوافع وأسباب توقيت هذه التعديلات الدستورية؟ المبررات الرسمية التي صاغها رئيس الجمهورية بطلباته للتعديل أن مدد الولاية قصيرة ومكلفة للغاية ومرهقة لاقتصاد البلاد وللميزانية العامة. وهذا مجرد هراء؛ لأن بلداناً؛ مثل مالاوي وجيبوتي تأتيان في المرتبة الأخيرة خلال تلك الفترة بين قائمة أقل الدول تنمية في العالم؛ طبقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، ومدة مجالسهما ضمن المتوسط العام بين 4 و5 سنوات، ومع ذلك تجرى فيهما الانتخابات بشكل دوري. هناك سببان رئيسيان وراء ذلك التعديل الدستوري؛ الأول يتعلق بتمديد مدة رئاسته والالتفاف على الحظر الدستوري بولايتين فقط؛ وهو ما أطلق عليه يمنياً «تصفير العداد»، وقد بدأ ذلك بأن عدّت السلطة أن الانتخابات الرئاسية لعام 1994 - 1999 لا تحتسب دورةً أولى؛ لأنها لم تجر عبر الانتخاب المباشر من قبل الشعب؛ وإنما أجريت من خلال التصويت في مجلس النواب، وعليه تحتسب الدورة الأولى في 1999 – 2004، وبإضافة التعديل الدستوري عامين بأثر رجعي انتهت الولاية الأولى في 2006 بدلاً من 2004، وتكون الولاية الثانية من 2006 إلى 2013، وبذلك كسب صالح سنوات عدة إضافية في السلطة. من هذا المنطلق؛ رأي صالح حكاية التوريث وأنه من الأفضل الإعداد المبكر لمثل هذه الأمور، لهذا قام بتعديل مدة الولاية الرئاسية من 5 سنوات إلى 7 سنوات، وبإقرار هذا التعديل ستتغير بداية ونهاية تاريخ الدورة الثانية من 2004 - 2009 إلى 2006 - 2013 وحينها سيكون بمقدور أحمد ببلوغه سن 43 عاماً الترشح للرئاسة الذي يتطلب ألا يقل عمر المرشح عن 40 عاماً. وعلى أثر الثورة الطلابية والمبادرة الخليجية تخلى صالح عن الرئاسة. والسؤال: رغم كل ما أشرنا إليه من مخالفات وانتهاكات جسيمة لاتفاقية الوحدة ونصوص الدستور اليمني؛ فإن الغرب تغاضى عن كل ذلك واستمر في علاقاته الوطيدة مع نظام الرئيس المعزول، ولماذا تغاضى عن الحالة اليمنية لنظام صالح والحالة الحوثية الآن؟ وللحديث بقية... مقالة الدكتور محمد الي السقاف في صحيفة الشرق الاوسط ،بتاريخ 7 ديسمبر 2021