كيف تقضي الحرب في اليمن على حق التعليم للإناث
في إحدى مخيمات النزوح بمحافظة مأرب، تقبع مريم، البالغة من العمر 13 عامًا، تحت سماء صيفية حارة، تعانق قلبها المليء بالحزن والأمل، وحيث تفتقر الحياة إلى أبسط مقوماتها تجلس مريم بين أكوام الرمال، تتابع الأطفال من حولها وهم يلعبون بألعاب بسيطة تحمل مريم حكاية الألم والفقدان، وخلفها أمها التي لا تملك سوى كلمات قليلة لتصف معاناتها اليومية.
في العام 2015 مع اندلاع الحرب في اليمن، تحول منزل عائلة مريم في مدينة تعز إلى ركام تحت أنقاض القصف العنيف الذي تعرضت له المدينة، تاركًا وراءه قصصًا مؤلمة وآمالًا متلاشية.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت مدينة مأرب ملاذًا لأسر كثيرة كأسرة مريم التي تبحث عن الأمان وسط الهموم والأحلام المهدمة. لتستقر مريم وعائلتها في مخيم لا يتعدى كونه مساحة من الأرض الجرداء، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، تحيط بها صحراء قاحلة وطرقات وعرة، وخدمات صعبة المنال.
حلم
مريم، التي حرمت من حقها في التعليم، تجد نفسها محاصرة في دوامة من الظروف. حيث تقع المدرسة الأقرب إلى المخيم على بعد ما يزيد عن خمسة كيلومترات، تقول أم مريم: "لا أستطيع أن أرسل مريم وحدها إلى المدرسة، فالطريق غير آمن وبعيدة ونحن غير قادرين على تغطية تكاليف تنقلها واحتياجات التعليم".
في المخيم المتزاحم تتصارع الأسرة مع تحديات يومية لتأمين لقمة العيش، حيث يصبح البحث عن الطعام والماء هاجسًا يوميًا. كل ما تجنيه الأسرة من مساعدات ومخصصات يتم إنفاقه على توفير الاحتياجات الأساسية، ليبقى التعليم حلمًا بعيد المنال.
بصوت خافت تواصل أم مريم حديثها: "كل ما نحصل عليه نستخدمه لتأمين الطعام والماء، لا أستطيع التفكير في تكاليف التعليم أو المواصلات، إنها رفاهية لا نملكها".
القيود الثقافية والمعتقدات التقليدية تضيف عبئًا ثقيلًا على كاهل مريم وأسرتها، ففي المخيمات المؤقتة، حيث الحياة غير مستقرة، يصبح من الصعب على الفتيات متابعة تعليمهن في ظل اكتظاظ الفصول القماشية والخشبية بالطلاب إضافة إلى ما يفرضه المجتمع من قيودًا صارمة على الفتيات، ويجعل من الصعب عليهن خوض غمار مواصلة التعليم، فبدلاً من الكتب والدفاتر، يتحول الحلم إلى واقع مؤلم من البؤس والحرمان، وتتجه الأفكار نحو زواج الفتيات مبكرًا.
تقول مريم "أريد أن أتعلم وأساعد الناس، لكن لا أعرف إذا كنت سأتمكن من العودة إلى المدرسة يومًا ما." في الوقت الذي تأمل فيه أم مريم أن تتغير الظروف وتنتهي الحرب ويعود الأمن وتعود الأسر النازحة إلى ديارها وتعود ابنتها إلى فصول الدراسة، بأمان لتحقق أحلامها المؤجلة.
خارج المدرسة
من جهته يقر نائب وزير التربية والتعليم في الحكومة اليمنية علي العباب أن التسرب من التعليم شائع في البلاد خلال سنوات الحرب. ويشير المسؤول الحكومي إلى أن تسرب الأطفال من المدارس يعد كارثة إنسانية تهدد مستقبل وطن بأكمله، حيث أن الأطفال المتسربين من التعليم قد ينجروا إلى العمالة بسبب الضائقة الاقتصادية وقد يتعرضون للعنف أو الاستقطاب من قبل جماعات مسلحة حد قوله.
فيما لم يتحدث العباب عن دور أو جهود وأنشطة حكومية للحيلولة دون استمرار مشكلة التسرب من التعليم في البلاد.
وأشارت الناشطة المجتمعية بدرية المليكي إلى أن أسباب تسرب الفتيات من التعليم يعود إلى عده عوامل منها الفقر والتفكك الأسري وتدني مستوى التعليم عند الوالدين والزواج المبكر مما قد ينتج عن هذا التسرب عده آثار أهمها تفشي الأمية وانتشار البطالة والفقر وغياب تام للوعي. وأن الحرب أفرزت كل هذه المسببات.
أرقام
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن من بين 10.7 مليون طفل في سن الدراسة في اليمن، هناك 4.5 مليون طفل خارج المدرسة.
كما يشير تقرير حديث لمنظمة رعاية الأطفال الدولية أن طفلين من كل خمسة أطفال في اليمن يتسربون من التعليم، وأنه بعد مرور تسعة سنوات على اندلاع الصراع في اليمن، بات حوالي ٤.٥ مليون طفل خارج صفوف التعليم في الوقت الذي يتضاعف فيه احتمال ترك المدرسة وتزايد الأعداد.
وخلص التقرير إلى أن ثلث الأسر اليمنية لديها على الأقل طفل واحد ترك المدرسة خلال السنتين الماضيتين. موضحًا بأنّ العنف المستمر في اليمن والاقتصاد المنهار دفعا ثلثي سكان البلاد إلى ما دون خط الفقر فيما أدى وأدت الحرب إلى نزوح ما يقدر بنحو ٤.٥ مليون شخص، بينما معظمهم تعرض للنزوح أكثر من مرة.
وتُشير إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023م إلى أنّ واقع تعليم المرأة في اليمن لا يزال دون المستوى المطلوب، حيث تبلغ نسبة حصول النساء والفتيات على التعليم 35%، بينما تنخفض هذه النسبة بشكل كبير عند الحديث عن فرص العمل المدفوعة الأجر، لتصل إلى 6% فقط، كما أنّ تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار لا يتجاوز 4.1% من المناصب الإدارية وصنع القرار في اليمن.
وتعكس هذه الإحصائيات واقعًا مُحزنًا يُشير إلى حرمان شريحة واسعة من اليمنيات من حقهنّ في التعليم. كما تشير إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع البنك الدولي، إلى أنّ نسبة التحاق الفتيات بالتعليم العالي في اليمن متدنية للغاية، حيث تبلغ 5.7% فقط، مقابل 18% للذكور، وتزداد هذه الفجوة اتّساعًا كلما ارتفع المستوى التعليمي، ففي التعليم الأساسي تبلغ نسبة التحاق الفتيات 42% مقابل 84% للذكور، بينما تنخفض إلى 23% في المرحلة الثانوية مقابل 43% للذكور.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي