صحيفة بريطانية : إدارة بايدن أمام اختبار مواجهة تعنت الحوثيين

العرب:)
الجدل حول نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة لن يتوقف حتى بعد أن يثبت أنها فشلت في الاختبار الأول مطلع الشهر المقبل عندما يتقرر مصير تجديد الهدنة في اليمن.
بايدن اعتبر استمرار الهدنة و”تعميقها” واحدا من نجاحات إدارته. إلا أن جماعة الحوثي سرعان ما أعلنت عقب انتهاء اجتماعات “قمة الأمن والتنمية” في جدة، أنها لن توافق على تجديد الهدنة. وهو ما يملي على الإدارة الأميركية أن تقرر مستوى فعالية شراكتها الأمنية حيال احتمالات تجدد القتال هناك.
هذا هو الاختبار الأول. فالهدنة التي وفرت بعض الاستقرار لما سوف يصل إلى أربعة أشهر ليست هدفا بحد ذاتها، ولكنها عندما تنهار فإن الولايات المتحدة سوف يتعين، على الفور تقريبا، أن تجيب على بضعة أسئلة مهمة: هل سوف تعيد تصنيف جماعة الحوثي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؟ وماذا ستفعل الولايات المتحدة لو أن الحوثي عاد إلى مهاجمة حقول النفط أو المنشآت المدنية في السعودية والإمارات؟ وهل سوف تعود لتتخذ الموقف نفسه في المساواة بين جماعة إرهابية والأطراف التي تبحث عن تسوية سلمية للنزاع؟ وماذا لو وجد التحالف العربي نفسه مضطرا من جديد إلى استئناف عملياته القتالية؟ وهل سيجد التحالف العربي في الولايات المتحدة شريكا جادا؟ وما هي المساهمات التي سوف تقدمها واشنطن في عمليات الإغاثة الإنسانية التي غالبا ما وقعت أعباؤها على الرياض وأبوظبي؟
الأعمال القتالية إذا عادت لتندلع من جديد، فإنها ستلقي بظلال قاتمة من الشك حول فرص الحوار السلمي بين إيران والسعودية أيضا. فالحقيقة التي لا تخفى على أحد هي أن قرار الحرب في اليمن لا يُتخذ في صنعاء، حيث توجد سلطة الانقلاب على الشرعية، وإنما في طهران. وعندئذ، فإن السؤال الكبير الذي سيواجه السعودية هو ما إذا كانت تستطيع مواصلة استراتيجية الفصل بين تطورات الأوضاع في اليمن وبين السعي لإقامة علاقات إيجابية مع إيران. أما في واشنطن، فإن السؤال سيكون هو ما إذا كانت سوف تنفذ تعهداتها بتعزيز الدفاعات السعودية لمواجهة أخطار الصواريخ والطائرات المسيرة خصوصا.
الفشل في تقديم إجابات واضحة على هذه الأسئلة سوف يلقي بكل التفاهمات التي تم التوصل إليها في قمة جدة حول الشراكة الاستراتيجية، في سلة المهملات. من ناحية، لأنها على أرض الواقع لم تكن إلا تفاهمات أوهام. ومن ناحية أخرى، لأن الولايات المتحدة تثبت مرة أخرى أنها تقول ما لا تفعل، لجهة الالتزامات الأمنية مع حلفائها، بينما تطلب منهم أن يؤدوا التزاماتهم.
وهناك مخاوف حقيقية من أن إيران تريد استمرار الصراع في اليمن ليكون شاغلا لدول المنطقة. فهو بالنسبة إليها “حرب فرعية” تحول دون تفرغ دول المنطقة إلى الشؤون الاستراتيجية الأخرى التي ترى طهران أنها سوف تكون الهدف النهائي لها. ولذلك فإن بقاء الأزمة في اليمن، كما تنظر إليها طهران، هو بمثابة درع أمني لإيران.
الإشارة التي قدمها بايدن بشأن الهدنة، والجواب الذي جاء من جماعة الحوثي في غضون ساعات بأن الهدنة لن تستمر بعد انقضاء أمدها في الثاني من أغسطس المقبل، إنما يلقيان على الإدارة الأميركية مسؤولية في أحد اتجاهين: الأول، استخدام كل ما تملك من قدرات للمحافظة عليها، دع عنك قيادتها إلى حل سياسي دائم. والثاني، أن تفرض الهزيمة على الذين لا يريدون وقف الحرب.
وفي الواقع، فإن عودة مياه العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض إلى مجاريها، هو النجاح الوحيد الذي حققته زيارة بايدن إلى المنطقة. فكل الموضوعات الأخرى التي حملتها زيارة بايدن انتهت إلى الفشل. فالدول العربية لم ترغب بأي شراكة دفاعية مع إسرائيل. وبينما انتقد الزعماء العرب مسالك إيران وتدخلاتها وسياساتها لزعزعة الاستقرار، فإنهم لم يُظهروا أي استعداد للاندفاع إلى مواجهة عسكرية مباشرة ضدها. وفكرة “الناتو العربي” سقطت، حتى بمفهومها المحدود كشراكة دفاعية في الجو. وبدلا من توسيع نطاق مساعي التطبيع مع إسرائيل فقد تضمنت كلمات القادة العرب تأكيدات على أهمية حل الدولتين وفقا لمقررات الشرعية الدولية. أما السماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بعبور الأجواء السعودية، فقد كان بمثابة رد على عدم اعتراض إسرائيل على انسحاب القوة الدولية من جزيرتي تيران وصنافير الخاضعتين للإدارة المصرية تمهيدا لعودتهما إلى السيادة السعودية بحلول نهاية العام الجاري.
النجاح الوحيد الذي حققه بايدن هو إعادة الشراكة الأميركية – السعودية إلى وضعها السابق على قصة مقتل جمال خاشقجي، والسابق على سياسته هو بالتعامل مع السعودية كدولة “منبوذة”. فقد اضطر في النهاية إلى أن ينبذ هذه السياسة تحديدا.
إلا أن النجاح ما يزال على الورق، سواء من ناحية التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة، التي يفترض أن تشمل أنظمة دفاعية وتقنية عسكرية متقدمة، أو من ناحية الشراكة الفعلية في حماية أمن السعودية ودول الخليج الأخرى.
على الورق، أعلنت الولايات المتحدة التزامها ببناء منظومة لمواجهة الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية. كما تمت “الموافقة على إنشاء فرقة مشتركة في البحر الأحمر، وأخرى مشتركة في خليج عمان وشمال بحر العرب تقودها السعودية”.
وبحسب مراقبين سعوديين، فقد “اتفق الطرفان على عمل القوات السعودية مع الأسطول الخامس الأميركي، مستخدمين التقنية الحديثة من السفن غير المأهولة والذكاء الصناعي في حماية المجال البحري”. وكذلك “عودة الأميركيين للتعاون الأمني مع الرياض، بما يشمل اتفاقيتين في مجال الأمن السيبراني: بين الهيئة الوطنية للأمن السيبراني السعودية مع ‘إف.بي.آي’ ووكالة الأمن السيبراني الأميركية”.
كما قدم الطرفان إيحاءات بأن السعودية التي تستعين بتقنيات صينية للجيل الخامس لأنظمة الاتصالات، سوف تشرع بالاستعانة بتقنيات بديلة “تربط بين شركات التكنولوجيا السعودية والأميركية بنشر الجيلين الخامس والسادس”.
وإلى جانب اتفاقات أخرى في العديد من المجالات التجارية، ومنها المحافظة على التدفقات النفطية بما يحافظ على استقرار الأسواق، فإن الرئيس بايدن الذي عاد من جولته خاسرا كل شيء، يستطيع القول إنه عاد ليفوز بعلاقات وطيدة مع السعودية.
إلا أن هذا الفوز منوط في النهاية بما إذا كانت إدارته سوف تنجح في وضع نهاية للأزمة في اليمن تتوافق مع قواعد الشراكة الاستراتيجية مع السعودية.
ولئن أدت السعودية كل ما طُلب منها تأديته للمحافظة على الهدنة، ولو بقيت لوحدها، فإن انهيار هذه الهدنة بقرار من طهران سوف يتطلب موقفا صارما من واشنطن. وهو موقف، بحسب المسؤولين السعوديين، لا يكفي أن يكون موقفا كلاميا، بل موقفا يبرهن على ما إذا كانت تلك الشراكة الاستراتيجية حقيقية بالفعل، لا مجرد أوهام يتم تسطيرها على الورق فحسب.