حسني عبيدي: الجاليات العربية والمسلمة أولى ضحايا الإرهاب

عدن الحدث

حسني عبيدي: الجاليات العربية والمسلمة أولى ضحايا الإرهاب


أجرى موقع ، حواراً مع الباحث والأكاديمي الجزائري، حسني عبيدي، في العاصمة الفرنسية، باريس، ركّز على أوضاع الجاليات العربية في أوروبا، وما تعانيه بسبب الاعتداءات الإرهابية التي ينفذها عرب.


لماذا تعيش الجالية العربية حالة رعب وتخبط بعد كل اعتداء تشهده فرنسا أو أوروبا؟

الجالية العربية والمسلمة في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا، هي أول ضحية الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا أخيراً أو بلجيكا، لأنه هنالك دائماً ربطٌ ما بين الإسلام كديانة وبين المسلمين الموجودين في أوروبا. وهم في غالبيتهم مواطنون أوروبيون. كما أن هناك ربطاً ما، بين ما يتم التعبير عنه بأنه عملية مستوحاة من قبل منظمة تُدعى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبين المسلمين، وبالتالي تكون الجالية ضحية لهذه الصورة النمطية.

لماذا في رأيك ينشط التطرف والإرهاب بشكل كبير في فرنسا على وجه الخصوص وأوروبا بشكل عام ويرفع شعارات إسلامية كتغطية لعملياته الهمجية؟

هناك عدم فهم أصلاً لماهية هذا التنظيم الإرهابي الذي يُصنف كدولة إسلامية، تصدر أوامرها لمسلمي أوروبا لـ"بث الرعب بقصد نصرة الدين" وما بين المسلمين أنفسهم. لعل هناك من قد يتصور أن المسلمين الأوروبيين قد تكون لديهم ازدواجية الولاء للدولة التي يعيشون فيها، وللإسلام، وبالتالي لهذا التنظيم الذي يقدم نفسه كتنظيم إسلامي، ويذهب حتى إلى تنصيب نفسه بالغلبة ولياً للمسلمين أينما كانوا.

إشكالية الخلط هذه التي لا تجد بالمقابل إرادة حقيقية لتوضيح ملابساتها، وبالتالي إزالة الصورة النمطية التي تصدر عنها، لا يعاني منها مثلاً مواطنون أوروبيون من ديانات أو من جنسيات أخرى.
"
الإعلام الفرنسي يساهم بدوره السلبي في تسويق النظرة النمطية

"

ألا تعتقد أن الإعلام الغربي لعب دوراً في إثارة هذه الصورة المنمطة عن الإسلام والمسلمين؟

بلى، الإعلام الفرنسي يساهم بدوره السلبي في تسويق النظرة النمطية، التي يعاني منها أبناء الجالية، بحيث تنعكس على حياتهم اليومية بعدم تكافؤ الفرص؛ فهم يواجهون صعوبة في إيجاد وظيفة أو اقتناء مسكن أو حتى في قيام دورات تدريبية من أجل مستقبل أفضل، ذنبهم الوحيد أنهم من أصول عربية مسلمة.

هل فشلت الجالية المسلمة في الاندماج أم أن الدولة فشلت في إتاحة الفرصة للمهاجرين للاندماج؟

أعتقد أن القطيعة أصبحت واضحة؛ فالنموذج الفرنسي مثلاً، فشل في احتواء أبناء وأحفاد جاليةِ المهاجرين المسلمين، وهؤلاء يشعرون بتخلي الدولة، بعدما تنامى شعور معاداة الأجانب، وبعدما تعزز الشعور بالتباين الاجتماعي والثقافي، بحيث أن العديد من الطلبة الذين تلقوا دروسهم في فرنسا يبدون الرغبة في تغيير أسمائهم إلى أسماء فرنسية، وذلك لأنهم سئموا من الوضع الحالي الذي زاد سوءاً منذ أحداث شارلي إيبدو الشنيعة.

ولقد تعرض العديد من المسلمين بعد اعتداءات باريس الإرهابية إلى مضايقات في وسائل النقل أو في الأسواق، خصوصاً النساء اللاتي يرتدين الحجاب أو حتى من يلاحظ أنه يحمل أو يقرأ جريدة عربية أو يتحدث العربية.

ولماذا لم يرفع هؤلاء دعاوى قضائية ضد المعتدين، ما دام أن فرنسا بلد القانون؟

تعرض المهاجرون على مدار العام لمضايقات لفظية وحتى جسدية، لم يجرؤ جميعهم على رفع دعاوى أمام المحاكم، وبالتالي، نحن أمام وضع جديد، بل أمام وضع يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لمسلمي أوروبا، وحتى بالنسبة للسلطات العمومية. هذه الأخيرة أبدت نوعاً من اللامبالاة حيال هذه المضايقات. وأَبَت أن تصنّف هذه الظاهرة بـ"الإسلاموفوبيا" أو التحامل والخوف من الإسلام.

حتى أنه تم رفضُ عقد مؤتمرات لمناقشة ظاهرة الإسلاموفوبيا، تحت ذريعة أنه لا يوجد في فرنسا شعور أو سلوك من هذا النوع ضد مسلمي فرنسا، رغم أن تقارير عديدة أصدرتها منظمات حقوقية إنسانية مثل "هيومن رايتس ووتش" تقِّرُ بذلك. ربما لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تقنين هذه المضايقات، وبالتالي، إجبار السلطات على بحث سبل تعويض الضحايا الذين تعرضوا لها.

لكن حمّى الإسلاموفوبيا في فرنسا تشتد أكثر بعد اعتداء نيس؟

المفارقة في اعتداء نيس تكمن في ضرب الاقتصاد الفرنسي من جهة، علماً أن "عروس كوت دا زور (الشاطئ)" تستقطب فئة مهمة من سياح الخليج، ولكن في الوقت نفسه نلمس انتشار نوع من الكراهية والنبذ للجالية العربية المتواجدة بأوروبا، والذي بدأت رقعته تتسع منذ مسلسل الاعتداءات التي شهدتها فرنسا.
"
الخطر الكبير، في حال اشتدت حمّى الإسلاموفوبيا، يكمن في انغلاق أبناء الجالية على أنفسهم

"

فكيف بإمكاننا أن نتصور أن هناك حرباً من العرب أنفسهم والمسلمين تجاه أوروبا المسيحية وهي الوجهة المفضلة لديهم؟ كيف لشخص يعتنق ديانة معينة أن يخاطر بنفسه، ويدفع الأموال لقضاء عطلة مرحة مع أهله، في بلاد ينبذ أهلها ودينها ويقوم بعمليات إرهابية على بعد أمتار من إقامته الصيفية؟ الزائرون والمقيمون في فرنسا هم أول المحبّين لها، وبالتالي هم أحرص الناس على أمنها وسلامتهم.

على ما يبدو، جزء كبير من الأوروبيين يريدون أموال العرب ولا يريدونهم هم، فينفقون الأموال لتخطيط استراتيجيات سياحية لإغراء وجلب سياح عرب مسلمين تحت الطلب à la carte. هذه هي طبيعة العلاقات الاقتصادية التي غالباً ما تطغى على الطابع السياسي والاجتماعي، وحتى الديني.

ويبقى في اعتقادي أن الخطر الكبير، في حال اشتدت حمّى الإسلاموفوبيا، يكمن في انغلاق أبناء الجالية على أنفسهم تحت وطأة شعور بأنهم أصبحوا كبش الفداء يضحى بهم في هذه الظروف الصعبة، مما قد يزيد من انكماش هذه الفئة من المجتمع وتقوقعها على نفسها لتصبح أرضية خصبة للاستمالة من أطراف غير مرغوب فيها.

ولذلك، لا بد أن نغير المعادلة ونعمل من أجل مقاربة تسامح وتعايش. فلقد نجحنا في ذلك منذ سنوات مضت، وأعتقد أنه من المؤسف، أن نضحي أمام تنظيم إرهابي مثل (الدولة الإسلامية)، بما تم تشييده من علاقات حسن الجوار وتعايش الديانات. ويبقى هذا التحدي الكبير بالنسبة لمسلمي أوروبا وأيضاً للسلطات العمومية.

ويجب على سلطات الدولة الفرنسية التي يقر دستورها على أنها دولة علمانية تحترم التنوع الديني، أن تكون دولة للجميع. وقوة الديمقراطية فيها تكمن في قوة المجتمع المتعدد والمنفتح. ولا بد للدولة أن تكون حاضرة وفاعلة لتشعر كافة مواطنيها أنها تسهر على حمايتهم باعتبارهم مواطنين وفقط، مهما اختلفت ديانتهم وأصولهم.