أدوار عولقيه في التاريخ السياسي الحديث لحضرموت (1500-1900) ( 1- 2)

عدن الحدث / خاص / محمد عيدروس علي السليماني
 
الحضارم في الهند : لقد ازداد تدفق الهجرات الحضرمية إلى الهند في القرن الثالث عشر الميلادي مع زيادة ترحيب حكام الولايات الهندية وأمرائها بهم ،وعملوا على تعيين قضاة لعموم العرب من بينهم لحل الخلاف بين ولذلك يمكن القول أن مسلمي (كن كان) وطائفة (المابيلا) في المليبار و(الجماعتين) في (غجرات) ينحدرون من أصول يمنية حضرمية.. وكان أمراء المسلمين الهنود دائمي الالتماس من علماء حضرموت للحضور للهند للإسهام في نشر العلوم الدينية كالقرآن الكريم والحديث والفقه في مختلف الممالك والسلطنات المسلمة كأحمد أباد وباروش وسورت ودولت وأحمد نجر وبيجابور وبليجام وحيدر أباد وبيدار وبراد وجولكنده وغيرها من المناطق والأقاليم الهندية.

 

العوالق في الصراع الكثيري- اليافعي في وادي حضرموت:

في حوالي 1500 م تعلّم عبيد با نافع العولقي في تريم, و على مر السنين صار فقيه العوالق العليا كما ان السلطان بدر بوطويرق قد مد نفوذه إلى أرض العوالق عندما غزا قرية يشبم في حوالي عام 1549م. و في حوالي عام 1704 م ( 1116 هـ)وصل مكتّب (رسول يحمل رسالة) من صالح بن منصّر العولقي بأن بدر بن السلطان محمد و يافع وصلوا إلى عتق و لم نجد ذكرا لسبب وصولهم إلى عتق.. أما في عام 1808 م وصل السلطان عمر بن جعفر الكثيري و معه السلطان صالح بن منصّر العولقي و أولادهم في حوالي 600 نفر من العوالق و تبعهم السلطان حسن بن الهادي الو احدي في نحو 200 نفر و حارب هؤلاء يافع جنبا إلى جنب الشنافر.

في عام 1843 م (1264 هـ) تقريبا كان طالب بن حسين الهمامي و علي بن قطيان الكربي و قبائلهم و السادة المحاضير من ضمن قبائل شتى جلبتهم يافع من القبلة و كان ذلك طمعا في الجمعدار عمر القعيطي لا بغضا للدولة ، و فيما بين عامي 1847 و 1848م تنافس آل كثير و القعيطيون على كسب العوالق في الحرب فيما بينهما و تمكن سلاطين آل كثير من إحضار بضعة آلاف من العوالق المقاتلين , فتمكنوا مع آل كثير و غيرهم من القبائل من طرد يافع من تريم و في الأخير سيطروا على تريم في عام 1847م و سيؤن في عام 1848 و جعلوا منها عاصمتهم.أي عاصمة السلطنة الكثيرية. و في عام 1851 وصلت أقوام من أشراف مارب و عوالق و كرب و دهم و فيهم السلطان محمد بن ناصر العولقي و علي بن عبدالله السليماني العولقي.

بريطانيا و النفوذ العربي في حيدر اباد:

 كانت حيدر أباد جزءًا من إمبراطورية المغول من عام 1687م حتى عام 1724م وهو العام الذي استقل بها أصاف جاه الوالي من قبل المغول. وخلال القرن التاسع عشر سيطرت بريطانيا على الشؤون الخارجية لحيدر أباد. واشتهر النظاميون (دولة نظام حيدر أباد) بأنهم كانوا من أكثر الشعوب ثراء في العالم. وعندما تم تقسيم الهند في عام 1947م، رفض النظاميون الانضمام إلى أي من الباكستان أو الهند، وأعقب ذلك مصادمات بين الهندوس والمسلمين. وفي عام 1948م، أقامت الهند حكومة عسكرية في حيدر أباد. وحين قسّمت ولاية حيدر أباد أصبحت مدينة حيدر أباد عاصمة لولاية أندرا برادش. و كانت فترة الحكم البريطاني للهند (الهند البريطانية) تسمى "الراج البريطاني British Raj"أي الحكم البريطاني في اللغة الهندية, الذي أنتهي باستقلال الهند في 15/8/1947.

كان مسلمو نظام حيدر اباد بسبب قلة عددهم مثل سابقيهم من سلاطين البهمن المسلمين, يشعرون بعدم الأمان وسط بحر من الهندوس و الدرافيديان في جنوب الهند, و لذلك فقد شجعوا المسلمين من أي جنسية أو عرق للسكن في أرض الدكن. و هكذا دخل العرب من الحضارمة و غيرهم من جيرانهم فوجدوا التشجيع من حكم نظام حيدر اباد (Hyderabad) و كان أهلنا ينطقونها "حيدر عباد", فمنحوا الرتب العسكرية و الإقطاعيات من الأراضي, و هكذا أغتني الكثير منهم. و من برز منهم في الخدمة العسكرية منح الألقاب الفخمة مثل: جنبز جنج (المحارب الجسور), شمشير الدولة ( سيف الدولة), مقدم جنج (المقدم في الحرب).... و فوق ذلك وجدوها أرضا خصبة وفيرة الخيرات مقارنة بأرضهم القاحلة التي أتوا منها . و لم يأت عام 1854 م إلا و أصبح كل من يريد نفوذا في حكومة نظام حيدر أباد, إلا و يستعين بمسلحين عربا لحراسته و سلامته و جمع ديونه و إيجاراته , أو لتأمين خزائنه. و من العائلات العربية المستوطنة في حيدر اباد, و التي كانت تتصارع على النفوذ السياسي في حضرموت برز كل من القعيطي, و الكثيري, و العولقي. فأرسلوا الأموال و الجنود و القيادات لإنشاء دولا تحمل أسماءهم . فأما دولة العولقي فلم تصمد كثيرا, أما دولتي الكثيري و القعيطي فقد بقيتا حتى خروج بريطانيا من الجنوب بنهاية عام 1967. في عام 1874 م كانت بريطانيا تنظر بعين عدم الرضى للصراعات العربية في حيدر أباد و تأثيرها على حضرموت,   فقامت في عام 1876 بعمل هدنة لمدة عامين بين السلطان القعيطي و نقيب المكّلا الكسادي الذي كان مناصرا للعولقي , و بعدها بعام عقدت اتفاقا بين العولقي و القعيطي في حيدر أباد أنهى الخصومة بينهما.

كان نفوذ العرب ( و العوالق من ضمنهم) في نظام حيدر اباد-الدكن يقلق شركة الهند الشرقية (كانت السلطة البريطانية تعمل تحت أسم الشركة هذه) الواقعة في مدينة كلكتا و كان في حيدر أباد ممثل مقيم لبريطانيا. فكانت ترى أنهم لا يحترمون السلطة البريطانية , و حتى أنهم كانوا يفاخرون بمظهرهم من لبس الجنابي و حمل بنادق أبو فتيلة, و ترى أنهم أيضا يرون أنفسهم أعلى من السكان المحليين. وفي منتصف القرن التاسع عشر رأت فيهم خطرا داهما ليس على حيدر اباد بل على النفوذ البريطاني في الهند ككل. فعزمت أن تكسر شوكتهم. و بعد ضم حيدر اباد إلى الهند في عام 1947 م تم ترحيل و طرد حوالي 7000 عربي منها.

مشروع الدولة العولقية بحضرموت:

 في الجيش العربي التابع لنظام حيدر أباد بالهند كانت تتنازع السلطة والنفوذ ثلاث شخصيات هي:الحاج عمر بن عوض القعيطي وكانت رتبته العسكرية «شَمْشِير المُلك»، وعبدالله بن علي العولقي، وكانت رتبته العسكرية «سيف الدولة»، وغالب بن محسن الكثيري، وكانت رتبته العسكرية «غالب الدولة». ثم تطوروا و حمل كل منهم لقب "جمعدار" أي قائد لألفي مقاتل,  وكانت هذه الشخصيات الثلاث مقرّبة من نظام حيدر أباد، وكان لكل منهم أتباعه وأنصاره في أوساط المهاجرين اليمنيين بالهند، إلا أن القعيطي كان أكثرهم أنصارًا مالًا وأوسعهم نفوذًا. وكان هؤلاء الثلاثة يمتلكون الإقطاعيات الواسعة في ولاية حيدر أباد، وكان التنافس بينهم شديدًا. وبسبب «الحَسَد» السائد بينهم، كوّن العولقي والكثيري جبهة ضد القعيطي الذي كان أكثر طموحًا في التسلط والرئاسة من منافسيه ، وقد بلغ به التهور درجة جعلته يتطاول حتى على النظام نفسه. وفي سنة 1274 هـ (1857 م)، عندما كانت ثورة الجيش الهندي( Indian Mutiny) على أشده ضد الإنجليز في الهند، خطَّط القعيطي للقيام بانقلاب عسكري في حيدر أباد ؛ لإسقاط حكم النظام والاستيلاء على مملكته وإقامة دولة (حضرمية) في الهند، وكادت الخطة أن تنجح لولا أن خبرًا عن المؤامرة القعيطية تسرب إلى خصمه العولقي الذي كشف أسرار الخطة للنظام، وفشلت المؤامرة. وقد أعدم النظام مئات من المتآمرين ولكنه لم يستطع أن ينال من القعيطي بسوء نظرًا للعصبيَّة العربية والهندية القوية التي كانت تسنده. وعلى أي حال فإن افتضاح أمر القعيطي على يد العولقي زاد نار الخصومة اشتعالًا بين القعيطي من جهة ومنافسيه العولقي والكثيري من جهة أخرى، وقد فكّر الكثيري في الانسحاب من هذه المعركة ، وكان يخشى أن يطرده النظام من حيدر أباد ويستولي على إقطاعياته بسبب المؤامرة القعيطية التي جعلت النظام يتوجس خيفة حتى من أقرب المقربين إليه من الرؤساء الحضارم. وبادر الكثيري وباع جانبًا كبيرًا من إقطاعياته بأثمان بخسة ووظّف الحصيلة في إحياء الدولة الكثيرية،  لم تكن هذه الشخصيات الثلاث قائمة بالخدمة العسكرية بحيدر أباد وامتلاك الضياع الواسعة بها في كنف النظام فحسب ، بل إن كل واحد من هؤلاء الثلاثة كان يحلم أيضًا بالملك وكان يسعى سعيًا حثيثًا إلى إنشاء دولة له في حضرموت.

عندما اشترى الحاج عمر بن عوض القعيطي قرية (الريضة) في القطن من السادة سنة 1255 هـ (1839 م) تمهيدًا لإنشاء الدولة القعيطية، واشترى غالب بن محسن الكثيري قرية (الغُزَف) من آل تميم سنة 1261 هـ (1845 م) تمهيدًا لإحياء الدولة الكثيرية، و قام العولقي بشراء قرية (الصَّدّاع) وهي من ضواحي بلدة غيل باوزير، من آل بريك حكام الشحر ونواحيها سنة 1280 هـ (1863 م) وأقام بها حصنًا متين البناء عالي الأركان توطئةً منه للاستيلاء على الغيل وإقامة دولته العولقية بها, و قد بنى في الحصن أبراجا و متاريسا للمدافع و كان حصنا استثنائيا في ذلك الوقت, فكل الحصون المجاورة كانت فيها فتحات في جوانبها للبنادق أبو فتيلة السائدة أيامها. .ومات الحاج عمر بن عوض القعيطي سنة 1282 هـ (1865 م) وخلفه أبناؤه الخمسة وعلى رأسهم الجمعدار عوض بن عمر القعيطي وكان هو الآخر ضابطًا كبيرًا بجيش النظام العربي، وكانت رتبته العسكرية به (نَوازْ جنج).

يتبع .
محمد عيدروس علي السليماني العولقي .. مادة خاصة بعدن الحدث يمنع نقلها