رجال في ذاكـرة التـــاريـخ 1 - الشيخ أحمد كريم بخش.. عالِم غيبته فرق الموت في الشقعة عام 1972 2 - سالم أحمد بن شعيب.. قبل ساعتين من رحيله قال للحلاق “سأكون عريساً اليوم”

عدن/الايام
 

1- الشيخ أحمد كريم بخش:

**الميلاد والنشأة

الشيخ كريم بخش أمان الله، من مواليد كريتر (عدن) في حارة الهنود شارع الإمام علي في 24 فبراير 1908م، وتلقى تعليمه في مدارس عدن وتلقى دروسا خاصة عند الشيخ أحمد عقان في مسجد الفقي هندي (حاليا مسجد الجيلاني)، ومؤسس هذا المسجد الفقي عثمان الهندي وكان هندوسيا ثم أسلم وأرسل ابنه أحمد عثمان لدراسة العلوم الشرعية في زبيد، ثم عاد إلى عدن ودرس على يديه العديد من المهتمين في العلوم الشرعية، ومنهم الشيخ أحمد كريم بخش.

وسع الشيخ كريم بخش مداركه في العلوم الشرعية على أيدي مشايخ عدن وكان متفقها في المذهب الحنفي ولا يضاهيه أحد من علماء عصره في هذا المذهب.

**الشيخ أحمد كريم في كمران**

عمل الشيخ أحمد كريم بخش في جزيرة كمران قاضيا وكبير المدرسين، وكانت كمران تتبع إدارة حكومة عدن البريطانية آنذاك، وانتفع سكان كمران من علمه وخدماته في مجالي القضاء والتعليم خلال الفترة الممتدة من عام 1940 حتى عام 1954، وعاد إلى عدن بعد إحالته إلى التقاعد من خدمة حكومة عدن.

نال الشيخ أحمد كريم الإجازة من علماء عديدين، كما نال الإجازة في الحديث النبوي الشريف من السيد مطهر مهدي الغرباني في عدن والسيد العلامة عباس بن علوي المالكي في مكة المكرمة.

**الشيخ أحمد كريم يحظى بثقة الشيخ علي باحميش**

يفيدنا الشيخ أمين سعيد عوض باوزير في كتابه (من أبرز أعلام الدعاة والتنوير في عدن خلال مئة عام من الزمن) في صفحة (29): "بعد إحالته إلى المعاش عاد (الشيخ أحمد كريم) إلى عدن فتولى مذ ذاك الإمامة والخطابة والتدريس في العلوم الشرعية في مسجد أبي قبة بمدينة عدن الذي عين فيه إماما وخطيبا عام 1954م / 1373هـ، وكان كذلك ينوب الشيخ علي محمد صالح باحميش (قاضي عدن الشرعي أثناء سفره إلى خارج عدن)".

**الشيخ كريم.. كريم في دعوته إلى الإسلام**

كان من عادة الشيخ أحمد كريم بخش في كل شهر رجب أن يعقد مجلس قراءة صحيح الإمام البخاري ويحضره جمع غفير من الراغبين في التزود من العلم، وفرض ذلك الالتزام الذي قطعه على نفسه إسناد مهمة الخطابة في مسجد أبي قبة إلى غيره رغبة في مجلس قراءة البخاري في مسجد خواص بكريتر وفي مسجد مذيهب في شارع الملك سليمان في كريتر.

كما كان الشيخ كريم ـ رحمه الله ـ يعقد حلقات التدريس في مختلف علوم الشريعة في مساجد عدن يحضرها عدد كبير من طلبة العلم، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: المغفور له بإذن الله الشيخ أنور محمد حسن، الذي تتلمذ على يديه في الفقه الحنفي، والأستاذ فاروق السيد هاشم والشيخ علي عثمان محمد (أطال الله في عمريهما).

وكان من عادته ـ رحمه الله ـ تخصيص يومين أسبوعيا للوعظ والإرشاد، يتجول خلالهما في مساجد عدن وأبين ولحج.

**الشيخ كريم يبهر رئيس المحكمة الإنجليزية**

يروي حفيد الشيخ أحمد كريم ـ وهو الأستاذ حسن عبدالغفور عبدالله ـ أن والدته (ابنة الشيخ كريم) روت له محاكاة والدها لها بأنه وقف أمام رئيس المحكمة الإنجليزي لأن القضاء في عدن كان لا يتدخل في قضايا الأحوال المدنية لأنها تخضع للقانون المحمدي Mohamdan Law بحسب ذاكرتي.. وكانت القضية تخص أسرة عدنية كريمة وكان الشيخ علي محمد باحميش قاضي عدن الشرعي قد فوض الشيخ كريم بإيجاد حل للقضية على المذهب الحنفي، لأن المذهب الشافعي لم يتطرق إلى ذلك النوع من الإشكال، وأراد رئيس المحكمة أن يستعين بمترجم وفاجأ الشيخ كريم بأنه يجيد الإنجليزية والفارسية والجزراتية بالإضافة إلى لغتي الأم العربية والأردية، والأخيرة (أي الأردية) هي اللغة الرسمية لشعب باكستان الشقيق التي استخدمها العلامة محمد إقبال، بالإضافة إلى الفارسية.

**الشيخ أحمد كريم والنظام اللئيم**

رصد التاريخ على النظام الحاكم في الجنوب بعد استقلاله ارتكاب ثلاث جرائم ضد رجال الدين وهم: الشيخ أحمد كريم بخش والشيخ علي محمد باحميش والشيخ سالم الشاطري، وما حدث لهؤلاء يأتي في ظل غياب قراءة علمية مفصلة لتاريخ الشمال والجنوب، ولذلك ستظل الرعية مراوحة حيث هي لأنها لاحول لها ولا قوة، ولذلك غابت الإرادة الوطنية بغياب الوطن المختزل في شخص الحاكم.

ظهر الأحد 24 ديسمبر 1972م غادر الشيخ أحمد كريم بخش وبرفقته الشيخ رحيم بخش والسيد عبده سفيان إلى قرية الشقعة بلحج بسيارة (ن.ع.غ)، وتعددت الروايات التي اختلقتها المخابرات التابعة للنظام، وكل الروايات الآنفة الذكر مهزوزة وضعيفة الحبكة.

صلى الشيخ كريم العصر والمغرب في قرية الشقعة، وبعد المغرب قدم موعظة، واختفى الشيخ كريم بعد ذلك ما دفع الأسرة إلى تحري الأمر مع أمن لحج، وتبين لأفراد الأسرة أن الرجل محتسب عند ربه في ظروف غامضة على عكس نهاية الشيخين الجليلين علي محمد باحميش وسالم الشاطري اللذين دهستهما سيارة في يومين متباعدين من أيام 1977م، وخرجت جنازتان شعبيتان أقلتا جثماني الشيخين.

خلف ـ المختفي قسرا ـ القاضي الشيخ أحمد كريم بخش أمان الله وراءه سجلا عطرا وحافلا بالأعمال الجليلة تقرب بها إلى ربه، كما خلف أرملة وثلاثة أولاد: أنور وكلثوم ومصطفى، ودائرة اجتماعية واسعة من المحبين وطالبي العلم.

2 - سالم أحمد بن شعيب:

**الميلاد والنشأة

سالم أحمد بن شعيب من مواليد شبام حضرموت (السلطنة القعيطية) عام 1943، وبعد إكمال مراحل دراسته التحق بسلك التدريس، وكانت محطته الأولى منطقة (حطيب) بمحافظة شبوة، ثم انتقل إلى عدن حيث عمل مدرسا في المدرسة الابتدائية الغربية في الشيخ عثمان، ومن زملائه: حامد العصار، جواد خليفة، أبوبكر القرشي، عبدالقادر عبدالله سعيد (أخ غير شقيق للزميل أحمد الحبيشي)، إبراهيم محمد زيد، فواز حسن شريف وعبدالله عثمان، وكان مدير المدرسة التربوي القدير الأستاذ عقيل إسحاق، رحمه الله.

**سالم بن شعيب في ذاكرة جميل محمد أحمد**

ورد في كتاب تأبين الفقيد سالم بن شعيب انطباعات الإعلامي المجرب الأستاذ جميل محمد أحمد، رئيس إذاعة البرنامج الثاني (عدن) - ص9 : "عرفت سالم بن شعيب منذ التحاقه لأول مرة في العمل الإذاعي عام 1976".. ويضيف الأستاذ جميل: "فقدت إذاعة عدن أحد فرسان التعليق الإذاعي المتميز لكرة القدم، كما فقدت إذاعة عدن عنصرا مثابرا في مسيرة حياة طويلة للعمل الإذاعي في مجالات البرامج الرياضية والبث المباشر وتقديم نشرات الأخبار والبرامج الأخبارية والبرامج التنموية، وترك فراغا كبيرا، كما ترك بصماته الواضحة على أسلوب متميز في التعليق على المباريات الرياضية على الهواء مباشرة من ساحات ملاعب الجمهورية وعبر أثير الإذاعة ما يزيد على عشرين عاما".

**سالم بن شعيب في ذاكرة حسين النجاشي**

الأستاذ حسين إبراهيم النجاشي مدير عام مكتب الشباب والرياضة عدن (سابقا) منسق قطاع الإدارات العامة بديوان محافظة عدن ومديرياتها، كتب في تأبين بن شعيب (ص12): "بن شعيب أو ما نطلق عليه (أبو صبري) الذي عمل معنا منذ السبعينات سواء في المجال التربوي أو الإعلامي كان يتعامل مع الجميع بحب وصدق وإخاء، كان صريحا حتى وإن كانت صراحته تغضب الآخرين، ولكن تشعر أن (أبو صبري) ذو قلب حنون، ولم يكن حاقدا على أحد، تعلق به الجميع وفرض حبه وممازحته اللطيفة وتعليقه الجميل".

يرحم الله بن شعيب ويرحم الله النجاشي.

**جهاد لطفي والعزف على وتر حساس**

الحبيب جهاد لطفي أمان، وإن توخينا الدقة لقلنا الحبيب بن الحبيب، كتب في تأبين الفقيد ابن شعيب (ص11) "سالم بن شعيب وذكريات الحب والعطاء"، بأنه سبق بن شعيب بعام واحد في التعيين في العمل الإذاعي، وتحدث عن موقف درامي جمعه مع بن شعيب وهما في زيارة زميلهما الراحل أحمد حسن، عزف جهاد لطفي على وتر حساس عندما كتب: "يرحل عن حياتنا ويفارقنا كثيرون من الأعزاء وزملاء العمل والذكريات الخالدة، سالم بن شعيب واحد منهم وهذه سنة الحياة وإرادة الله".

**شفيع العبد يكتب عن (أوجاع في قلوب العشاق)**

الزميل شفيع محمد العبد كتب عن الكروان سالم بن شعيب، الصفحة (35): "ما أروعه حين كان يعلق على مباراة القمة الجنوبية بين قطبي الرياضة العدنية: التلال والوحدة، فقد كان يضفي عليها مذاقا خاصا، ومن عباراته ـ حين يسجل هدف ـ "القشة التي قصمت ظهر البعير".

**الزميل عوض بامدهف يرصد الأخضر العدني والمرشدي**

كتاب التأبين أورد ما كتبه الزميل عوض بامدهف في "الأيام الرياضي" (ص31)، وعنوان موضوعه (المرشدي يشهد مهرجان الوفاء / الأخضر العدني يحرز كأس فقيد الإعلام سالم بن شعيب)، أورد الزميل بامدهف بأن إذاعة عدن نظمت مباراة ودية بين فريقي وحدة عدن والرشيد من تعز على ملعب الشهيد الحبيشي بكريتر بحضور الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وجميل محمد أحمد رئيس قطاع البرنامج الثاني (إذاعة عدن)، وعبد الواحد الخميسي، رئيس قطاع القناة الثانية (تلفزيون عدن)، وعزيز محمد سالم، رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم بعدن، وصبري سالم بن شعيب، والقيادات الرياضية ورجال الإعلام الرياضي في إطار الاحتفال بأربعينية الفقيد.

**الثعالبي يرثي السالمين الشباميين باعبيد وبن شعيب**

أما الزميل المخضرم والمتألق دوما عزيز الثعالبي فقد كتب في الصفحة (33) في رثاء السالمين الشباميين: الشيخ سالم بن عمر باعبيد والمعلق الرياضي الفذ سالم أحمد بن شعيب، حيث كتب: "وإذا كنا قد فقدنا في اليوم الأول من نوفمبر الجاري (2005) في عدن أحد أبناء مدينة شبام التاريخية سالم أحمد بن شعيب وأحد مبدعيها في العمل الإذاعي، فقد فقدنا في اليوم الثاني من نفس الشهر وفي المدينة نفسها (عدن) ومن أبناء شبام ذاتها وأحد رموزها في العمل التجاري الناجح الشيخ سالم عمر باعبيد عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية في عدن حتى يوم رحيله عن (81) عاما".

**ماذا روى الجار العزيز محمد سعيد سالم ؟

محمد سعيد سالم (أبو إسلام) الجار العزيز لفقيدنا سالم أحمد بن شعيب عزف على الوتر الروحاني في الصفحة (41): "لقد رحل أبو صبري بعد أن زار حلاق الحي الذي يقطنه في مدينة المنصورة وأكرمني الله أن أكون جارا له وهو يقول له قبل ساعتين تماما من رحيله: أريد اليوم حلاقة فيها فن.. أنا اليوم سأكون عريسا.

ثم رحل الرجل، كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر رمضان الكريم الذي انقضى قبل أسبوعين، إنها ليلة في العشر الأواخر من خير الأشهر عند الله قبل أذان المغرب، وقد توضأ استعدادا لذلك، وهو صائم، إنها رحلة عريس إلى الجنة إن شاء الله بين الحور العين".

**وداعا أيها العريس**

كما أسلف عزيزنا أبو إسلام أن العريس سالم أحمد بن شعيب رحل ـ إن شاء الله ـ إلى "جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر"، (سورة القمر 54 - 55)، يوم 1 نوفمبر 2005م الموافق 29 رمضان 1426هـ، وعن عمر ناهز (62) عاماً.

خلف فقيدنا سالم أحمد بن شعيب وراءه أرملة فاضلة وخمسة أولاد هم: صبري، فتحي، مروان، زكريا، وبنت، كما خلف سجلا مهنيا واجتماعيا رائعا وقاعدة جماهيرية واسعة.

**نجيب محمد يابلي**