بتمويل من منظمة شركاء اليمن الدولية.. *(ألف باء) تبني جسور الحوار وتعزز التماسك المجتمعي في عدن

تقرير - بديع سلطان*

لا تنفك الأزمات والنزاعات تهدد الواقع العدني؛ بسبب تداعيات الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات، والتي انعكست على التماسك المجتمعي، وأثرت على السلم المحلي. وفي ظل هذا الوضع، رأت مؤسسة ألف باء مدنية وتعايش وجوب التدخل؛ للتخفيف من النزاعات والأزمات وترسيخ التماسك المجتمعي وتعزيزه. ولهذا شرعت المؤسسة بتنفيذ مشروع جسور الحوار في عدن، بتمويل ودعمٍ من منظمة شركاء اليمن الدولية؛ لتعزيز التماسك المجتمعي، وتعريف المجتمع المحلي في المدينة بآليات حل النزاعات وتجاوزها، في سبيل إحلال السلام. وكان ذلك عبر سلسلة من ورش العمل التدريبية، اختتمتها المؤسسة مؤخراً، واستهدفت نخبة من الشخصيات الاجتماعية في مديرية خورمكسر، مثلوا السلطة المحلية، ورجال الدين، والإعلاميين والمثقفين، وناشطي منظمات المجتمع المدني والمعلمين والتربويين والشباب. *محاور التدريب* يقول المدرب سامر طالب، أحد أعضاء فريق عمل الورش التدريبية ومدربيها: "إن مشروع تعزيز التماسك المجتمعي تم وفقًا لثلاث مراحل، استهدفت ثلاث دفعات، في كل دفعة ما يقارب 25 متدرب ومتدربة". ووصف المدرب المشاركين في بأنهم كانوا متفاعلين مع بعضهم البعض، وكان أداءهم الجماعي فعال، وما ساعد على ذلك هو توفير الأجواء الملائمة والمناسبة للورش، من قبل فريق العمل. مشيرًا إلى أم الورش التي كان هو أحد المدربين فيها تناولت عدة محاور، وركز في تدريبه على مفاهيم: النزاع، وتحليل النزاعات، والتعايش، والتفكير البناء، والتفكير الناقد، والاستماع الفعال، والتواصل التراحمي، وكيفية حل المشكلات والنزاعات، وخلق الحلول البديلة، بالإضافة إلى موضوع الوساطة. *ملامسة الواقع* وأضاف المدرب سامر طالب أن هذه المواضيع والمحاور من أهم المواضيع الملامسة لواقعنا الملئ بالأزمات والنزاعات، وكيفية أن يتعايش كل فرد مع ذاته ومع أسرته، وتطبيق هذه المفاهيم في حياتنا اليومية، بالإضافة إلى أن يعمل الشخص وسيطاً أولاً مع أهله وجيرانه والشارع، وأن يكون فاعلاً في المجتمع. مؤكدًا أن أهمية المواضيع والمحاور انعكست بشكل واضح من خلال ردة فعل المتدربين تجاهها، وهو ما يمنحنا جميعًا -كفريق عمل المشروع- أملاً كبيرًا في أن يتحقق السلام في المجتمع ويتعزز؛ باعتبار أن المشاركين هم نخبة وصفوة المجتمع في مديرية خورمكسر، ويُتوقع منهم أن يُحدثوا نقلة نوعية في المجتمع. *التطرف العنيف* من جانبه ربط المدرب عماد الزامكي، وأحد أعضاء فريق عمل المشروع، أهمية الدورة بالحرب الدائرة في اليمن، وما خلفته من أزماتٍ متلاحقة. وكشف الزامكي أنه كمدرب ركّز على مفهوم "التطرف العنيف"، وهو مفهوم لاقى تفاعلاً كبيرًا من المشاركين؛ بسبب ما عايشوه وشاهدوه في مناطقهم وأحياءهم، ووسط أسرهم وأبناءهم، ومع زملاءهم في مرافق أعمالهم، سواءً كان باللفظ أو بالفعل. لافتًا إلى تناول بعض صفات المتطرفين أو المتعصبين، منوهًا بتفاعل المشاركين الذين ذكروا أمثلةً كثثرةً جداً، كالتطرف السياسي أو المناطقي. *التعامل مع المتطرفين* ويواصل المدرب عماد الزامكي حديثه قائلاً: كان التركيز على المفاهيم العلمية في مجال التطرف العنيف، واتفقنا على قاعدة أساسية تحكم عملنا، هي قاعدة "أن ليس كل متطرف عنيف، ولكن كل عنيف متطرف". "كما تطرقنا إلى الحلول أو التدخلات لمعالجة التطرف الذي نبذه الإسلام قبل أن تنبذه القوانين الأخرى؛ لأن الإسلام هو دين السلام". "كما أن التطرف تنبذه أيضًا عاداتنا وتقاليدنا اليمنية الداعية للتراحم والتسامح وتجاوز الماضي".. يقول الزامكي. ويضيف: كان من ضمن التدخلات التي اقترحناها؛ إقامة مشاريع تنموية أو تدريبية؛ حتى يعم السلام جميع أطياف المجتمع. *تنوع إيجابي* المدربة في مجال بناء السلام، والميسرة المجتمعية، شاهيناز باموسى، تحدثت عن التنوع الذي تميزت به الورش التدريبية في التماسك المجتمعي ومشروع جسور الحوار. وأكدت باموسى أن الفئات المستهدفة كانوا مختلفين ومتنوعين بشكل واسع، حتى أن هناك تفاوتًا في وجهات النظر. ولاحظت شاهيناز من خلال جلساتها مع المشاركين أن جميعهم حاولوا أن يكون هناك شيء إيجابي، حتى أن توقعاتهم كانت إيجابية، ورغم وجهات نظرهم المختلفة إلا أن جميعهم اتفقوا أن المستقبل سيكون ايجابي وليس سلبي. وتضيف: وذلك ما أحببته كثيرًا وأعتقد أنه حين يتم تنفيذ ما تعلموه على الواقع، ستكون هناك وجهات نظر مختلفة وإيجابية وسيكون هناك شيء ملموس؛ عطفاً على تنوع المشاركين واختلافهم. *استعداد للتنفيذ* ولم تبتعد التربوية والمعلمة سيناء عبدالله غالب، عن التفاؤل الذي غلف حديث المدربة شاهيناز، حيث تمنت سيناء أن يتجسد التماسك المجتمعي في المجتمع، وأن يسعى الجميع إلى تنفيذ هذه الآمال. وأكدت سيناء -وهي إحدى المشاركات في الورش- أنها على استعداد تام لتنفيذ المهارات والمعارف التي تلقتها في واقعها ومحيطها المجتمعي، المزدحم بالصراعات والنزاعات المجتمعية. *مساعدة أنفسنا* المدرب والموجه التربوي، محمد عقلان، وعضو فريق العمل، أشار هو الآخر إلى أن البرنامج مفيد جدًا، بحسب رؤية المشاركين. وأكد عقلان أن نتائج ومخرجات الورش ستعمل على تعزيز التماسك المجتمعي في مديرية خورمكسر، باعتبارها النموذج الوحيد الذي احتضن المشروع في محافظة عدن. وتطرق إلى أن أهمية هذا البرنامج تنبع من الواقع المعاش وفي ظل الفراغ الموجود للسلطات المعنية وضعف الدولة ومؤسساتها؛ بسبب الحرب القائمة؛ لهذا اعتبر عقلان أن المشروع يساعدنا على كيفية مساعدة أنفسنا في خلق التماسك المجتمعي داخل أحياءنا ومناطقنا المحلية. *التخطيط وبدء العمل* ولم تختلف رئيسة لجنة الشئون الاجتماعية في المجلس المحلي بمديرية خورمكسر، فيروز أحمد وعضوة الفريق، عن رؤية المدرب محمد عقلان. فيروز قالت: "إن الورشة سيكون لها أثر على المجتمع، ونحن اعتمدنا على شرائح وفئات معينة في خور مكسر لتحقيق هذا الهدف". وأكدت أنه من خلال تقييمنا للحاضرين وإعجابهم بالورشة وتفاعلهم وتأكيدهم أن الورش لامست بالفعل همومهم وتحسست مشاكلهم، يمكن لنا أن نتفاءل كثيرًا. وكشفت فيروز أن المشاركين عايشوا الكثير من النزاعات؛ لهذا فهم قد نجحوا في التخطيط ووضع رؤية لتنفيذ مشاريع واقعية؛ لنقل هموم مناطقهم وحلها، كما تعلموا كيفية أن يتدخلوا بصورة أفضل من تدخلاتهم السابقة، وأدركوا جيدًا واجبهم. كما نوهت بنجاح المشاركين بالتعرف على كيفية التدخل والتعامل مع أي شخص متعصب بحسب وصفها، أو أي ظاهرة غريبة على المجتمع، وأن من حقهم وواجبهم أيضاً تصحيح إعوجاج أي شخص، لكن بأسلوب مناسب، لا ينفر منهم، ومنعه من إحداث أي تصرف سيء، بل وإشراكه في أعمال ومشاريع؛ ليشعر بقيمته كمواطن فاعل. *تعزيز السلام* من شأن مشروع كهذا أن يسهم إلى حدٍ بعيد في التخفيف من حدة النزاعات وتأثيراتها المجتمعية على المواطنين، ولعل النجاح الذي حققه المشروع في مراحله المختلفة؛ يوحي بأن ثمة تفاؤل وعمل حقيقي لإحداث تغيير مجتمعي وتعزيز السلام والتماسك في المجتمعات المحلية داخل عدن.