الدول الكبرى لا تتعامل إلا مع الكبار
تتجسد قيمة هذه المقولة النقدية (الدول الكبرى لا تتعامل إلا مع الكبار ) في كونها ليست مجرد مقولة دارجة في قاموس السياسة الدولية، بل تعبير واقعي عن سلوكيات الدول العظمى، التي تبني شراكاتها وتحالفاتها على أساس القوة، والنفوذ، والفاعلية على الأرض، لا على الاعترافات الورقية أو الشعارات الشكلية.
وفي هذا السياق تكتسب زيارة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى روسيا الاتحادية أهمية استثنائية، كونها تعكس تحولًا نوعيًا في طريقة تعاطي العالم مع قضية شعب الجنوب العادلة ، ومع الفاعلين الحقيقيين في اليمن.
وانطلاقا من ذلك سنتابع أثر إسقاط هذه المقولة على تعامل الدول الكبرى مع المجلس الانتقالي برئاسة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي على النحو الآتي :
أولا : المجلس الانتقالي من النهوض الداخلي إلى الصعود العالمي .
منذ تأسيسه في عام ٢٠١٧م ، شكّل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي حالة سياسية فريدة ، نجح خلالها في ملء الفراغ الجنوبي ، وفرض نفسه كممثل شعبي وواقعي لقضية الجنوب مدعومًا بشرعية الشارع ، وقوة ميدانية فاعلة ، وقدرة على التنظيم والانفتاح السياسي ، على إثرها صعد المجلس من كيان محلي إلى فاعل إقليمي ودولي، وأصبح اليوم يحظى باهتمام العواصم الكبرى.
ولعل أبرز تجليات هذا التحول، هو الاعتراف الضمني والدبلوماسي المتنامي من قبل قوى دولية مؤثرة ، وعلى رأسها روسيا ، التي استقبلت الرئيس الزُبيدي بشكل رسمي ، وأبدت استعدادها في نقل سفارتها إلى العاصمة عدن ما يؤكد أن الجنوب أصبح جزءًا من الحسابات الدولية في مستقبل اليمن .
ثانيا : الدول الكبرى لا تعول على استقبال من لا وزن له .
من المعروف أن روسيا كغيرها من الدول الكبرى لا تمنح لقاءات رسمية بهذا المستوى لأي طرف عابر ولا تعول عليه بل هي دولة تتقن فن الحسابات الجيوسياسية، وتختار شركاءها وفقًا والمصالح الاستراتيجية فروسيا التي تنظر إلى الجنوب كممر بحري استراتيجي وبوابة للبحر الأحمر والقرن الإفريقي ، لا يمكن أن تتجاهل المجلس الانتقالي ، كونه القوة التي تملك النفوذ والسيطرة الفعلية المنفتحة على العالم في هذا الجزء الحيوي من العالم .
ولهذا فروسيا ترى في المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي لاعبًا سياسيًا جادا ، وقادرًا على التأثير ، ولا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة .
ثالثا :الجنوب قوة على الأرض وصوت على الطاولة.
اليوم وبعد مرور أكثر من تسع سنوات على الحرب في اليمن ، تغيرت موازين القوى :
فالحوثيون يسيطرون على الشمال ، لكنهم معزولون دوليًا .
والحكومة الشرعية هي الأخرى أصبحت تعاني اليوم من ضعف وتشتت وانقسام داخلي .
أما المجلس الانتقالي ، برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي فقد حافظ على استقراره ، ووسع من نفوذه ، وأصبح شريكًا مباشرًا في السلطة، وقوة منضبطة تنسق مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية الشقيقة في محاربة الإرهاب الحوثي الإيراني والإرهاب الأخواني ومع القوى الكبرى في المجتمع الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي ودولة الهند وغيرها في محاربة الإرهاب العالمي .
ولذلك لم يكن مستغربًا أن يبدأ العالم ومنه روسيا في فتح قنوات مباشرة مع هذا الطرف الجنوبي الصاعد ، لأن الواقع يفرض نفسه ، والكبار لا يطرقون أبواب الضعفاء .
الخاتمة :
إن زيارة الرئيس الزُبيدي إلى موسكو ليست مجرد جولة سياسية، بل هي محطة مفصلية تعكس تغيرات جذرية في المشهد اليمني ، وتشير إلى التحول الإيجابي في طريقة تعامل العالم مع الملف الجنوبي ، وهذا دليل واضح بأن الانتقالي أصبح يجيد التعامل مع القوة والتنظيم والرؤية الواقعية كواحدة من أبرز مفاتيح الدخول إلى نادي الكبار العالمي .
مما يعني بأن المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، بات اليوم ليس فقط رقماً صعباً في المعادلة الداخلية ، بل صوتًا حاضرًا على طاولة السياسة الإقليمية والدولية.
وإذا كان العالم لا يتعامل إلا مع الكبار فإن المجلس الانتقالي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي أصبح يفرض حضوره كـكيان كبير يُحسب له اليوم ألف حساب .
باحث أكاديمي ومحلل سياسي .