للمرة الأولى.. الموصل تحت سيطرة “الدولة الاسلامية” لا تحتفل بالمولد النبوي

عدن الحدث / متابعات


مثلما صمتت كنائسها لأول مرة في التاريخ في أعياد الميلاد، مسلمو مدينة الموصل شمال العراق لأول مرة لا يحتفلون بالمولد النبوي الشريف بسبب الإجراءات التي يفرضها تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي يسيطر على المدينة منذ ما يقارب نصف عام.
لم يكن يعلم أحمد صباح ابن (11 عاما) أن تحضيره للمبالغ التي أدخرها من والده ذهبت أدراج الرياح التي يستعد بها لشراء حلوى للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ومحمد الذي يلقبه والداه ب "حمودي" ينحدر من مدينة الموصل ثاني كبريات مدن العراق وذات الغالبية السنية.
حمودي الذي يعيش ضمن عائلة محافظة متدينة علمت أبنائها حب الدين الاسلامي ما دفع حمودي أن يدخر يومياته لشراء حلوى لتقديمها للسكان في يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والذي يصادف يوم غد الأحد.
وقال محمد صباح، لوكالة الاناضول عبر الهاتف، إن "امنيتي كانت أن أجوب شوارع الموصل لتوزيع الحلوى احتفاءً بالمولد النبوي لكن والدي أبلغني بأن الدولة الاسلامية لن تسمح بهذا الشئ إن كان بتوزيع الحلوى أو بإقامة الاحتفال بهذه المناسبة حتى إن أبي خاطبني بعصبية حين أصررت على توزيعها وهددني بالضرب إن فعلت ذلك."
وبصوت طفولي برئ يضيف حمودي "لماذا تفعل بنا الدولة الاسلامية كل هذا الشيء ألم تدعي الاسلام." إلا أن الآمال انتعشت لدى الطفل "حمودي " بعد أن وعده والده بهدية في هذا العام ووعده باحتفال أكبر في العام المقبل.
وأبلغ تنظيم "الدولة الاسلامية" جميع الخطباء بالمساجد بتوحيد خطبهم الجمعة اليوم وتركزت على منع إقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، معتبرا ذلك بـ"البدعة" وسيحاسب بشدة من يخالف تعليماته، حسب سكان محليين.
ومنذ أن سيطر الدولة الاسلامية على مدينة الموصل تكون خطب الجمعة فيها موحدة وبتبليغ رسمي من ديوان المساجد أحد التنظيمات الإدارية التابعة للتنظيم على ألا يتجاوز الخطيب ما وضعه له التنظيم بالخطبة.
وعزل الدولة الاسلامية منذ سيطرته على المدينة وحتى الآن، أكثر من 50 خطيبا من سكان الموصل من غير المؤيدين له ولم يقوموا بمبايعته واستبدلهم بخطباء موالين للتنظيم.
الشيخ "محمد الحريثي"، هكذا اطلق على نفسه خشية استهدافه من قبل "الدولة الاسلامية" كونه لايزال في الموصل، وكان إمام وخطيب أحد مساجد المدينة، لكن التنظيم عزله عن أداء مهامه في الفترة الاخيرة ضمن عشرات رجال الدين، ووضعه التنظيم تحت الإقامة الجبرية في منزله ومنعه من الخروج خارج الموصل.
وبرر "الدولة الاسلامية" منعه الاحتفال بذكرى المولد النبوي في الموصل، بأن "الاحتفال من البدع المحرفة التي دخلت الإسلام" وأنه أبلغ جميع أئمة وخطباء المساجد في المدينة بعدم الاحتفال بهذه المناسبة، بحسب ما أفاد الحريثي لوكالة الاناضول عبر الهاتف.
وأضاف الحريثي أن "الدولة الاسلامية" يعتبر الاحتفال بذكرى المولد النبوي، من البدع التي دخلت الإسلام، ويستند بذلك على حديث للرسول محمد(ص) الذي قال فيه (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) دون أن يدخل (الحريثي) بتفاصيل أكثر عن حيثية الموضوع.
ولا يعد النظر إلى الاحتفال بالمولد النبوي على أنه "بدعة" قاصرا على تنظيم "الدولة الاسلامية"، لكن أغلب التيارات والأحزاب السلفية في الدول العربية الإسلامية التي تحتفل بهذه المناسبة تحمل نفس النظرة.
كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ينطلق بالموصل، شأنها كشأن باقي المحافظات السنية الأخرى، قبل موعده بأيام وينتهي بعدها أيضا بأيام، تزين خلالها شوارع المدينة بشعارات وأعلام إسلامية، فضلا عن أغصان الزيتون والأشجار، وتقام حلقات الذكر حول المناقب النبوية في كل ليلة من تلك الليالي احتفاء ً بهذه المناسبة.
لكن هذه المظاهر تلاشت تدريجيا في الفترة الاخيرة في المدينة منذ أن نشط تنظيم الدولة الاسلامية "الدولة الاسلامية" بالموصل وتغلغل بمؤسساتها الحكومية، واغتال التنظيم عددا من المداحين ومقيمي حلقات الذكر ليكونوا عبرة لغيرهم.
وفي هذا العام منع التنظيم وبشكل علني اقامة الاحتفال بهذه المناسبة وهدد المخالفين بالمحاسبة بعقوبة قد تصل للاعدام.
وفي 24 من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت بطريركية الكلدان في العراق والعالم إلغاء مراسيم احتفالات اعياد الميلاد تضامناً مع العوائل المسيحية النازحة وعوائل شهداء القوات الأمنية من الجيش والبيشمركة (قوات إقليم شمال العراق).
ويبسط "الدولة الاسلامية" قبضة من حديد على مدينة الموصل، والتي يسكنها قرابة المليون ونصف المليون شخص، بعد أن نزح مثلهم وفروا من بطش مسلحي التنظيم.
وفي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، قبل أن يوسع سيطرته على مساحات شاسعة في شمال وغرب وشرق العراق، وكذلك شمال وشرق سوريا، وأعلن في نفس الشهر، قيام ما أسماها "دولة الخلافة".
وتعمل القوات العراقية وميليشيات موالية لها وقوات البيشمركة الكردية على استعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها "الدولة الاسلامية"، وذلك بدعم جوي من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يشن غارات جوية على مواقع التنظيم.

الاناضول