فورين بوليسي: الحرب على العمل الخيري في مصر
عدن الحدث
مثلها مثل معظم القرى في مصر، تبدو قرية أبو رواش متربة، وفقيرة، حيث تنتشر فيها أدوات الزراعة، وقطعان الأغنام التي ترعى مباشرة حول الأبنية الخرسانية المتواضعة التي تميز الطبقات الدنيا في مصر. وتعد أبو رواش مجتمعًا متماسكًا، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، في تناقض صارخ مع القاهرة، العاصمة الضخمة التي تقع على بعد 20 ميلًا فقط.
في غرفة متربة في منزل عائلته، جلس أحمد حسن على الخرسانة الباردة يروي ذكريات نشأته في القرية الفقيرة فيقول: "توفي والدي عندما كان عمري ثلاث سنوات، وعملت والدتي بأقصى ما تستطيع، ولكن كان من الصعب عليها جدًا تغطية نفقاتنا. وكان لوالدتي عشرة أطفال، لكنها لم تتمكن من رعايتهم جميعًا، ولم يتبق سواي وأخي على قيد الحياة".
لكن المساعدات جاءت من واحدة من المنظمات الخيرية الرائدة في مصر، فيقول أحمد "لقد تولت الجمعية الشرعية رعايتنا". وأضاف صبي من بين الصبية الصغار الذين تجمعوا حولنا: "لقد كانوا يعطوننا الطعام كل يوم جمعة، والمال لتوفير الطعام خلال الأسبوع. كما ساعدوا الكثير من الناس، وكانوا يعطون المال للفتيات اليتيمات لمساعدتهن على تأثيث المنزل حتى يتمكن من الزواج. لم يكن أحد منا سيستطيع البقاء بدونهم". ولكن الجمعية لن تستطيع تقديم تلك المساعدات بعد الآن.
عملت الجمعية الشرعية لأكثر من 100 عام لتعويض فشل الحكومة في توفير احتياجات المواطنين الأكثر فقرًا في مصر. ففي ذروتها، كان للجمعية أكثر من 1000 فرع، و30 مركزًا طبيًا، تخدم حوالي 450 ألف طفل يتيم وفقًا لصفحتها على الفيس بوك. كما لعبت المنظمة دورًا هامًا، وخصوصًا في قرى مثل أبو رواش، حيث هناك عجز شديد في الخدمات الاجتماعية الحكومية، وهي المشكلة التي تفاقمت بسبب الاضطرابات السياسية في مصر ما بعد مبارك. وقد عملت الجمعية الشرعية جنبًا إلى جنب مع اثنين من الجمعيات الخيرية الرئيسة الأخرى، وهما جمعية رسالة وصناع الحياة، حيث استطاع ثلاثتهم أن يغطوا تقريبًا كل قرية في الريف المصري، وكذلك الأحياء الفقيرة في القاهرة والإسكندرية.
تم تأسيس الجمعية الشرعية وجمعية صناع الحياة من قبل قادة دينيين معروفين، حيث يرجع تفاني تلك المنظمات في خدمة الفقراء إلى طابعها الإسلامي. ولكن في أعقاب انقلاب عام 2013 المدعوم شعبيًا، والذي أطاح بالرئيس محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، عادت مصر إلى عهود الحكم العلماني الاستبدادي، حيث تم استهداف تلك المنظمات ضمن رد الفعل العنيف ضد الإسلام.
فعلى الرغم من عدم قدرة الحكومة على رعاية الفقراء بنفسها، بدا أن لديها شكوكًا عميقة تجاه المنظمات التي تحاول سد تلك الثغرات، لا سيما المنظمات ذات الطابع الإسلامي. فقادة مصر لديهم ذكريات طويلة: فهم يعرفون جيدًا أن الإخوان المسلمين قد بنوا شبكة ضخمة من المؤيدين من خلال العمل على مكافحة الفقر خلال سنوات طويلة أثناء حكم نظام مبارك. لذا فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص على ضمان أن يصبح هذا النشاط غير ممكن. فقد جاء في حديث لغادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية على التلفاز قولها: "لقد استخدمت بعض المنظمات السياسية الفقر لتحقيق مكاسب سياسية، ونحن نحاول أن نتأكد من عدم حدوث ذلك في المستقبل".
بدأت الحملة على الجمعيات الخيرية بعد الانقلاب مباشرة. فبعد شهر واحد من اعتداء الجيش الوحشي على اعتصام مؤيدي مرسي في ساحة ميدان رابعة العدوية في شهر أغسطس 2013، حظرت محكمة بالقاهرة جميع أنشطة الإخوان المسلمين، وأمرت بالاستيلاء الفوري على جميع ممتلكاتها، وإنشاء لجنة لتعقب أي شركة أو مؤسسة تتلقى تمويلًا من الإخوان. وعلى الرغم من نفي الجمعية الشرعية وجود أي علاقة لها بالإخوان، قام البنك المركزي بتجميد أموالها جنبًا إلى جنب مع أكثر من 1000 منظمة أخرى في ديسمبر 2013. وفي الشهر نفسه، أعلنت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وعلى الرغم من طعن الجمعية الشرعية على قرار المحكمة، ونجاحها في استعادة التصرف في أصولها المجمدة، لكن سمعتها تضررت. فقد أصبحت الآن مرتبطة إلى الأبد بجماعة الإخوان المسلمين في عيون الجمهور، ومنذ ذلك الحين واجهت اتهامات بتمويل الإرهاب ونشر الإسلام الراديكالي. ونتيجة لذلك، أصبحت الجمعية تعمل الآن بنحو ثلث طاقتها السابقة، بحسب أحمد خطاب، أحد المتطوعين بالجمعية.
كما تضررت الجمعيات الخيرية الأخرى المماثلة، مثل جمعية رسالة جراء هذه المعارك القضائية أيضًا. حيث قال إسلام أيمن، الموظف بالجمعية: "لقد بدأ الناس في التفكير بأن جمعية رسالة هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل من الصعب علينا جمع المال"، وأضاف أن المنظمة أصبحت تطلب الآن من المتطوعين جمع 1000 جنيه مصري (130 دولارًا أمريكيًا) عند انضمامهم.
وتتمتع حملة الحكومة ضد "الإرهاب" وحملتها ضد الإسلام السياسي بتأييد واسع، حيث انضمت عدة منظمات معادية للإخوان إلي المعركة. فعملت الجبهة الشعبية لمقاومة أخونة مصر يدًا بيد مع الحكومة لمواجهة نفوذ الإسلاميين. كما سعت في الدعوى الأخيرة لاعتبار حركة شباب 6 أبريل منظمة إرهابية.
وبينما يلعب قادة الجمعيات الخيرية لعبة شد الحبل مع الحكومة في القاهرة، فإن الناس في القرى يتساءلون عن كيفية التعامل بدون الخدمات التي كانت توفرها هذه المنظمات.
وتشعر حليمة محسب، وهي أرملة عجوز من أبو رواش، بالقلق من زيادة أعبائها من النفقات الطبية. فتقول وهي جالسة على الأرض المتربة في منزلها، إنها تعاني من مشاكل في ضغط الدم، ومرض السكري ومشاكل في التنفس، ومشاكل في الركبة، وإن تكاليف الأدوية قد تضاعفت تقريبًا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المركز الطبي في القرية، الذي تديره الجمعية الشرعية، لم يعد قادرًا على تحمل رواتب موظفيه للعمل بدوام كامل، وهو ما اضطره لتغيير ساعات العمل الخاصة به، وهو ما يجعل من الصعب على محسب تلقي العلاج العاجل، وأصبحت في كثير من الأحيان مضطرة إلى السفر إلى مستشفى آخر، لا يتبع الجمعية الخيرية وهو ما يكلفها ضعفي المبلغ الذي كانت تدفعه. ومن المنتظر أن تتأثر المزيد من المستشفيات في الأشهر المقبلة. ففي 14 يناير الجاري، جمد البنك المركزي المصري أصول الجمعية الطبية الإسلامية، التي تدير 32 مستشفى تضم أكثر من 5 آلاف موظف، وفقًا لموقعها على الإنترنت.
ولم تقتصر الحملة المعادية للإسلام على تجميد الأموال وبذر الشكوك الشعبية، فغالبية القادة الدينيين، الذين يمثلون أكبر داعم للفقراء في العديد من القرى مثل أبو رواش، يقبعون في السجن لصلتهم المزعومة بالإخوان المسلمين. يقول زكريا محيي الدين، أحد سكان أبو رواش: "كل الناس الطيبين الذين يعتنون بالفقراء هم المتدينون، ولكن أين هم المتدينون؟ إنهم في السجن. فالناس الذين يحاولون مساعدة الفقراء يلقى بهم في السجن، أما الذين يحملون المخدرات والبنادق فهم يسيرون بحرية". وقال إن من بين أولئك المسجونين من اعتادوا على توزيع اللحوم على الفقراء خلال عطلة عيد الفطر المبارك، وإنه على الرغم من أن القرية قد بذلت قصارى جهدها لضمان رعاية الفقراء العيد الماضي، إلا أنه يخشى أنها لم تستطع الوصول للكثيرين.
ولا يختلف الوضع القاتم على بعد مئات من الأميال إلى الشمال في قرية شرنوب على دلتا. حيث يقول أحمد شريف، وهو اسم مستعار بسبب انتماء أسرته للإخوان المسلمين: "كانت المواسم المقدسة أوقاتًا هامة للحصول على المساعدات، سواء من الأموال أو الصدقات، لكن كل ذلك قد توقف منذ الانقلاب". يذكر أنه كما هو الحال في العديد من القرى الأخرى، لعبت جماعة الإخوان المسلمين دورًا هامًا في تمويل برامج الرعاية الاجتماعية في شرنوب، مثل توزيع الطعام وبناء المدارس والمستشفيات. ولكن أعضاءها صاروا بين هارب أو مسجون منذ الانقلاب. وأصبحت الجماعة الآن منشغلة بجمع الأموال لدفع الكفالة لأعضائها المسجونين، فيقول شريف: "على سبيل المثال، بلغت كفالة عمي 1300 دولار دفع الإخوان المسلمون نصفها. فالإخوان تركز الآن على إعادة بناء نفسها. ولم تعد قادرة على التفكير في الآخرين بشكل كبير".
ومع خروج الإخوان المسلمين من المشهد، واستمرار معاناة الجمعيات الخيرية الثلاث الكبرى، أدرك القرويون بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على المساعدات الخارجية بعد الآن، فبدؤوا في تنظيم العمل الخيري الخاص بهم محليًا. حيث قام وائل محيي الدين، ومحمد حمدى من أبو رواش معا العام الماضي بتأسيس منظمة "شباب أبو رواش". وتعمل المنظمة على ربط المحتاجين في القرية مع الأشخاص الذين يمكنهم المساعدة. وهم منشغلون حاليًا بمواجهة نقص أنابيب الغاز ويعملون على توزيع خزانات الغاز في القرية. ويقول حمدي: "هناك فكرة شائعة الآن بأن من يقوم بعمل خيري لابد أن يكون جزءًا من جماعة دينية أو حزب سياسي يحاول شراء الأصوات، لكننا نحاول أن نبين للناس أنه ليس من الضروري أن تكون كذلك، وأن الجيران يمكنم أن يساعدوا بعضهم فقط".
ويبدو أن هناك زيادة في هذه الحركات الخيرية الشعبية، حيث يخشى الناس من الارتباط بجمعيات مثل الجمعية الشرعية ورسالة وصناع الحياة. يقول خطاب، المتطوع في الجمعية الشرعية: "لقد وجدت أنه من الأفضل بالنسبة لنا أن نعمل كأفراد وليس كجزء من واحدة من هذه الجمعيات". وهو الآن يمارس معظم عمله بشكل مستقل عن الجمعية الشرعية؛ فيقوم بربط المستشفيات مع المانحين الذين يمكنهم أن يوفروا الإمدادات اللازمة. ويقول خطاب إنه قد وجد أنه على الرغم من قلق المانحين من إعطاء الأموال لجمعية خيرية مثل الجمعية الخيرية، إلا أنهم ليس لديهم مشكلة في إعطائها له كفرد. وأضاف: "بالنسبة لي، فإن أولويتي ليست السياسة ولكن الناس".
مثلها مثل معظم القرى في مصر، تبدو قرية أبو رواش متربة، وفقيرة، حيث تنتشر فيها أدوات الزراعة، وقطعان الأغنام التي ترعى مباشرة حول الأبنية الخرسانية المتواضعة التي تميز الطبقات الدنيا في مصر. وتعد أبو رواش مجتمعًا متماسكًا، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، في تناقض صارخ مع القاهرة، العاصمة الضخمة التي تقع على بعد 20 ميلًا فقط.
في غرفة متربة في منزل عائلته، جلس أحمد حسن على الخرسانة الباردة يروي ذكريات نشأته في القرية الفقيرة فيقول: "توفي والدي عندما كان عمري ثلاث سنوات، وعملت والدتي بأقصى ما تستطيع، ولكن كان من الصعب عليها جدًا تغطية نفقاتنا. وكان لوالدتي عشرة أطفال، لكنها لم تتمكن من رعايتهم جميعًا، ولم يتبق سواي وأخي على قيد الحياة".
لكن المساعدات جاءت من واحدة من المنظمات الخيرية الرائدة في مصر، فيقول أحمد "لقد تولت الجمعية الشرعية رعايتنا". وأضاف صبي من بين الصبية الصغار الذين تجمعوا حولنا: "لقد كانوا يعطوننا الطعام كل يوم جمعة، والمال لتوفير الطعام خلال الأسبوع. كما ساعدوا الكثير من الناس، وكانوا يعطون المال للفتيات اليتيمات لمساعدتهن على تأثيث المنزل حتى يتمكن من الزواج. لم يكن أحد منا سيستطيع البقاء بدونهم". ولكن الجمعية لن تستطيع تقديم تلك المساعدات بعد الآن.
عملت الجمعية الشرعية لأكثر من 100 عام لتعويض فشل الحكومة في توفير احتياجات المواطنين الأكثر فقرًا في مصر. ففي ذروتها، كان للجمعية أكثر من 1000 فرع، و30 مركزًا طبيًا، تخدم حوالي 450 ألف طفل يتيم وفقًا لصفحتها على الفيس بوك. كما لعبت المنظمة دورًا هامًا، وخصوصًا في قرى مثل أبو رواش، حيث هناك عجز شديد في الخدمات الاجتماعية الحكومية، وهي المشكلة التي تفاقمت بسبب الاضطرابات السياسية في مصر ما بعد مبارك. وقد عملت الجمعية الشرعية جنبًا إلى جنب مع اثنين من الجمعيات الخيرية الرئيسة الأخرى، وهما جمعية رسالة وصناع الحياة، حيث استطاع ثلاثتهم أن يغطوا تقريبًا كل قرية في الريف المصري، وكذلك الأحياء الفقيرة في القاهرة والإسكندرية.
تم تأسيس الجمعية الشرعية وجمعية صناع الحياة من قبل قادة دينيين معروفين، حيث يرجع تفاني تلك المنظمات في خدمة الفقراء إلى طابعها الإسلامي. ولكن في أعقاب انقلاب عام 2013 المدعوم شعبيًا، والذي أطاح بالرئيس محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، عادت مصر إلى عهود الحكم العلماني الاستبدادي، حيث تم استهداف تلك المنظمات ضمن رد الفعل العنيف ضد الإسلام.
فعلى الرغم من عدم قدرة الحكومة على رعاية الفقراء بنفسها، بدا أن لديها شكوكًا عميقة تجاه المنظمات التي تحاول سد تلك الثغرات، لا سيما المنظمات ذات الطابع الإسلامي. فقادة مصر لديهم ذكريات طويلة: فهم يعرفون جيدًا أن الإخوان المسلمين قد بنوا شبكة ضخمة من المؤيدين من خلال العمل على مكافحة الفقر خلال سنوات طويلة أثناء حكم نظام مبارك. لذا فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص على ضمان أن يصبح هذا النشاط غير ممكن. فقد جاء في حديث لغادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية على التلفاز قولها: "لقد استخدمت بعض المنظمات السياسية الفقر لتحقيق مكاسب سياسية، ونحن نحاول أن نتأكد من عدم حدوث ذلك في المستقبل".
بدأت الحملة على الجمعيات الخيرية بعد الانقلاب مباشرة. فبعد شهر واحد من اعتداء الجيش الوحشي على اعتصام مؤيدي مرسي في ساحة ميدان رابعة العدوية في شهر أغسطس 2013، حظرت محكمة بالقاهرة جميع أنشطة الإخوان المسلمين، وأمرت بالاستيلاء الفوري على جميع ممتلكاتها، وإنشاء لجنة لتعقب أي شركة أو مؤسسة تتلقى تمويلًا من الإخوان. وعلى الرغم من نفي الجمعية الشرعية وجود أي علاقة لها بالإخوان، قام البنك المركزي بتجميد أموالها جنبًا إلى جنب مع أكثر من 1000 منظمة أخرى في ديسمبر 2013. وفي الشهر نفسه، أعلنت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وعلى الرغم من طعن الجمعية الشرعية على قرار المحكمة، ونجاحها في استعادة التصرف في أصولها المجمدة، لكن سمعتها تضررت. فقد أصبحت الآن مرتبطة إلى الأبد بجماعة الإخوان المسلمين في عيون الجمهور، ومنذ ذلك الحين واجهت اتهامات بتمويل الإرهاب ونشر الإسلام الراديكالي. ونتيجة لذلك، أصبحت الجمعية تعمل الآن بنحو ثلث طاقتها السابقة، بحسب أحمد خطاب، أحد المتطوعين بالجمعية.
كما تضررت الجمعيات الخيرية الأخرى المماثلة، مثل جمعية رسالة جراء هذه المعارك القضائية أيضًا. حيث قال إسلام أيمن، الموظف بالجمعية: "لقد بدأ الناس في التفكير بأن جمعية رسالة هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل من الصعب علينا جمع المال"، وأضاف أن المنظمة أصبحت تطلب الآن من المتطوعين جمع 1000 جنيه مصري (130 دولارًا أمريكيًا) عند انضمامهم.
وتتمتع حملة الحكومة ضد "الإرهاب" وحملتها ضد الإسلام السياسي بتأييد واسع، حيث انضمت عدة منظمات معادية للإخوان إلي المعركة. فعملت الجبهة الشعبية لمقاومة أخونة مصر يدًا بيد مع الحكومة لمواجهة نفوذ الإسلاميين. كما سعت في الدعوى الأخيرة لاعتبار حركة شباب 6 أبريل منظمة إرهابية.
وبينما يلعب قادة الجمعيات الخيرية لعبة شد الحبل مع الحكومة في القاهرة، فإن الناس في القرى يتساءلون عن كيفية التعامل بدون الخدمات التي كانت توفرها هذه المنظمات.
وتشعر حليمة محسب، وهي أرملة عجوز من أبو رواش، بالقلق من زيادة أعبائها من النفقات الطبية. فتقول وهي جالسة على الأرض المتربة في منزلها، إنها تعاني من مشاكل في ضغط الدم، ومرض السكري ومشاكل في التنفس، ومشاكل في الركبة، وإن تكاليف الأدوية قد تضاعفت تقريبًا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المركز الطبي في القرية، الذي تديره الجمعية الشرعية، لم يعد قادرًا على تحمل رواتب موظفيه للعمل بدوام كامل، وهو ما اضطره لتغيير ساعات العمل الخاصة به، وهو ما يجعل من الصعب على محسب تلقي العلاج العاجل، وأصبحت في كثير من الأحيان مضطرة إلى السفر إلى مستشفى آخر، لا يتبع الجمعية الخيرية وهو ما يكلفها ضعفي المبلغ الذي كانت تدفعه. ومن المنتظر أن تتأثر المزيد من المستشفيات في الأشهر المقبلة. ففي 14 يناير الجاري، جمد البنك المركزي المصري أصول الجمعية الطبية الإسلامية، التي تدير 32 مستشفى تضم أكثر من 5 آلاف موظف، وفقًا لموقعها على الإنترنت.
ولم تقتصر الحملة المعادية للإسلام على تجميد الأموال وبذر الشكوك الشعبية، فغالبية القادة الدينيين، الذين يمثلون أكبر داعم للفقراء في العديد من القرى مثل أبو رواش، يقبعون في السجن لصلتهم المزعومة بالإخوان المسلمين. يقول زكريا محيي الدين، أحد سكان أبو رواش: "كل الناس الطيبين الذين يعتنون بالفقراء هم المتدينون، ولكن أين هم المتدينون؟ إنهم في السجن. فالناس الذين يحاولون مساعدة الفقراء يلقى بهم في السجن، أما الذين يحملون المخدرات والبنادق فهم يسيرون بحرية". وقال إن من بين أولئك المسجونين من اعتادوا على توزيع اللحوم على الفقراء خلال عطلة عيد الفطر المبارك، وإنه على الرغم من أن القرية قد بذلت قصارى جهدها لضمان رعاية الفقراء العيد الماضي، إلا أنه يخشى أنها لم تستطع الوصول للكثيرين.
ولا يختلف الوضع القاتم على بعد مئات من الأميال إلى الشمال في قرية شرنوب على دلتا. حيث يقول أحمد شريف، وهو اسم مستعار بسبب انتماء أسرته للإخوان المسلمين: "كانت المواسم المقدسة أوقاتًا هامة للحصول على المساعدات، سواء من الأموال أو الصدقات، لكن كل ذلك قد توقف منذ الانقلاب". يذكر أنه كما هو الحال في العديد من القرى الأخرى، لعبت جماعة الإخوان المسلمين دورًا هامًا في تمويل برامج الرعاية الاجتماعية في شرنوب، مثل توزيع الطعام وبناء المدارس والمستشفيات. ولكن أعضاءها صاروا بين هارب أو مسجون منذ الانقلاب. وأصبحت الجماعة الآن منشغلة بجمع الأموال لدفع الكفالة لأعضائها المسجونين، فيقول شريف: "على سبيل المثال، بلغت كفالة عمي 1300 دولار دفع الإخوان المسلمون نصفها. فالإخوان تركز الآن على إعادة بناء نفسها. ولم تعد قادرة على التفكير في الآخرين بشكل كبير".
ومع خروج الإخوان المسلمين من المشهد، واستمرار معاناة الجمعيات الخيرية الثلاث الكبرى، أدرك القرويون بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على المساعدات الخارجية بعد الآن، فبدؤوا في تنظيم العمل الخيري الخاص بهم محليًا. حيث قام وائل محيي الدين، ومحمد حمدى من أبو رواش معا العام الماضي بتأسيس منظمة "شباب أبو رواش". وتعمل المنظمة على ربط المحتاجين في القرية مع الأشخاص الذين يمكنهم المساعدة. وهم منشغلون حاليًا بمواجهة نقص أنابيب الغاز ويعملون على توزيع خزانات الغاز في القرية. ويقول حمدي: "هناك فكرة شائعة الآن بأن من يقوم بعمل خيري لابد أن يكون جزءًا من جماعة دينية أو حزب سياسي يحاول شراء الأصوات، لكننا نحاول أن نبين للناس أنه ليس من الضروري أن تكون كذلك، وأن الجيران يمكنم أن يساعدوا بعضهم فقط".
ويبدو أن هناك زيادة في هذه الحركات الخيرية الشعبية، حيث يخشى الناس من الارتباط بجمعيات مثل الجمعية الشرعية ورسالة وصناع الحياة. يقول خطاب، المتطوع في الجمعية الشرعية: "لقد وجدت أنه من الأفضل بالنسبة لنا أن نعمل كأفراد وليس كجزء من واحدة من هذه الجمعيات". وهو الآن يمارس معظم عمله بشكل مستقل عن الجمعية الشرعية؛ فيقوم بربط المستشفيات مع المانحين الذين يمكنهم أن يوفروا الإمدادات اللازمة. ويقول خطاب إنه قد وجد أنه على الرغم من قلق المانحين من إعطاء الأموال لجمعية خيرية مثل الجمعية الخيرية، إلا أنهم ليس لديهم مشكلة في إعطائها له كفرد. وأضاف: "بالنسبة لي، فإن أولويتي ليست السياسة ولكن الناس".