اليمن: سوء التغذية يدق جرس الإنذار

صنعاء

دقت دراسة حديثة جرس الإنذار، في مجال الأمن الغذائي في اليمن، مؤكدة أن اليمن يحتوي على أعلى المراتب بالنسبة إلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال البالغ عدد مليوني طفل تحت عمر الخمس سنوات.

وقالت الدراسة التي حملت عنوان "نحو مقاربة جديدة لتحقيق الأمن الغذائي العربي" إن نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء التغذية في اليمن يقدر بنحو 44 % مقارنة مع 32 % عام 2009.

مشكلة العصر

وعدت الدراسة الأمن الغذائي أخطر مشاكل العصر، خاصة في ظل تزايد عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم العربي على نحو مقلق ووصوله عند نسبة تقارب الـ 10 % من السكان أي حوالي 46 مليون نسمة منهم 25 % من الأطفال.

وبحسب الدراسة الصادرة عن الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، اليمن يحتوي على أعلى المراتب بالنسبة إلى مستويات سوء التغذية في العالم بين الأطفال، والذين يقارب عددهم نصف عدد الأطفال ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات، أي نحو المليونين من الأطفال، كذلك تظهر الدراسة وجود أكثر من نحو 6 مليون إنسان في سوريا يعانون من الجوع وسوء التغذية والتشرد.

 وأشارت إلى أن نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع وسوء التغذية في مصر يقدر بنحو 21 مليون إنسان، أي نحو 25.2 في المائة من إجمالي عدد السكان. بينما ترتفع هذه النسبة إلى أعلى من ذلك في اليمن، حيث تبلغ نحو 44 في المائة، مقارنة مع 32 في المائة عام 2009.

وأظهرت وجود معدلات مقلقة من الذين يعانون من سوء التغذية في عدة دول عربية أخرى، حيث تصل نسبتهم إلى إجمالي عدد السكان على سبيل المثال 26 في المائة في العراق، و25 في المائة في موريتانيا، و20 في المائة في جيبوتي.

يكلف 2.5مليار دولار

وكشفت بيانات رسمية جديدة ان الجوع وسوء التغذية يلحق أضرارا اقتصادية باليمن تتجاوز2,5مليار دولار سنويا نتيجة إصابة الأطفال بنقص الغذاء والتقزم وارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال والأمهات والعزوف عن التعليم لنسب كبيرة من الجنسين من اجل البحث عن المال والعمل استنادا لبيانات رسمية استخلصت من واقع تقييم لوضع الاقتصاد اليمني والمحافظات الأشد فقرا.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد الأشخاص في اليمن الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية يقدر بنحو 13.1 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد فيما يستهدف شركاء العمل الإنساني 7.7 مليون شخص لمدة سنة لأسباب تتعلق بصعوبة الوصول والأوضاع الأمنية وقدرات التنفيذ والقيود المفروضة على الموارد.

مؤكدة أن الاحتياجات الإنسانية والسياق الأساسي في اليمن ما يزالان على حالهما إلى حدّ كبير عما كانا عليه منذ أن تم إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية لليمن في شهر ديسمبر 2012، إذ تسببت العديد من الأحداث في عام 2013، في وجود فرصة قوية للتوصل إلى حلول متينة ومستدامة للأزمة اليمنية.

10ملايين

وحذر برنامج الأغذية العالمي في يوليو/ تموز الماضي، من خطورة تنامي سوء التغذية في اليمن، ووفقاً للبرنامج هناك أكثر من 10 ملايين يمنى(40% من السكان) لا يعرفون كيف يدبرون وجبتهم التالية.

وقال برنامج الغذاء العالمي في أحدث تقاريره عن سوء التغذية في اليمن: إن 5 ملايين يمني يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي، ويعانون من الجوع بدرجة تستلزم إمدادهم بمساعدات غذائية خارجية بوجه عام.

وأضاف معدلات سوء التغذية الحاد في اليمن بلغت حد الخطر في معظم أنحاء البلاد، وارتفعت نسبتها في بعض المناطق لتصل إلى حد ضرورة التدخل العاجل، ويعاني نحو نصف عدد أطفال اليمن ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات - أي نحو المليونين - من نقص النمو، بينما يعاني نحو مليون من هؤلاء الأطفال من سوء تغذية شديد.

41بالمائة

وحسب أخر مسح بلغت نسبة سوء التغذية عام 2011حوالي 41بالمائة، وتتفاوت نسبة سوء التغذية من منطقة إلى أخرى، ففي صعدة يعانى ما يقرب من 70 بالمائة، من انعدام الأمن الغذائي، بينما تنخفض النسبة لأقل من 10 في المائة من سكان محافظة المهرة (شرق)، وتبقى المناطق الريفية أكثر المناطق تضررًا.

وقال وزير الزراعة فريد مجور، إن ما يقرب من نصف الأطفال في اليمن يعانون من سوء التغذية، حيث أدت الهجمات المسلحة وندرة المياه، والتغير المناخي إلى تفاقم الاقتتال في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية.

وقال مجور أمام مؤتمر للأمم المتحدة الأربعاء قبل الماضي، إن أكثر من نصف سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يعاني 48 بالمئة من الأطفال من سوء التغذية, وحكومته تعرف أن الجوع له تأثير كبير على الصحة والتعليم في كل مرحلة ولا يمكن قبوله.

نتائج خطيرة

وتشكل مشكلة سوء التغذية والفقر في اليمن حلقة مفرغة، فالفقر يحتم سوء التغذية ويتسبب في تدهور الظروف المعيشية، وعدم توفير التغذية المناسبة والخدمات الصحية والتعليمية اللازمة يفرض على الأسرة العيش في ظروف اقتصادية وصحية وتعليمية سيئة تؤدي في نهاية المطاف إلى الفقر وسوء التغذية.

ومشكلة سوء التغذية لها نتائج أخرى أكثر خطورة، فإلى جانب تأثيرها على صحة الأطفال فهي تؤثر أيضاً على تحصيلهم العلمي، فسوء التغذية إذا لم يعالج خلال السنتين الأولى من عمر الطفل ينجم عنه التقزم، الذي بدوره لا يؤثر فقط على مظهر الطفل البدني الخارجي، بل له تأثير على نمو دماغ الطفل أيضاً.

ورغم انتشار نقص الوزن بين الأطفال وظاهرة التقزم في اليمن، إلا أنه لا يتم النظر إلى ذلك كمشكلة، في حين أن كل واحدا من بين كل خمسة أطفال في اليمن يعانون من نقص الوزن، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.

تهدد الأطفال

وقالت ماريا كاليفيس، المديرة الإقليمية لليونيسف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "سوء التغذية أمر يمكن الوقاية منه، فيما التقاعس عن التصدي له أمر غير مقبول، خاصة أن النزاعات والفقر والجفاف، والاضطرابات الحاصلة في البلاد منذ الأعوام الماضية وارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار الخدمات الاجتماعية، كلها عوامل تهدد صحة الأطفال وبقائهم.

وأضافت المسؤولة الدولية أن سوء التغذية، إضافة إلى تردي الخدمات الصحية، هو السبب الرئيسي وراء معظم حالات الوفيات لنحو 74 طفلاً من بين 2500 طفل مصابين بالحصبة، إثر تفشي هذا المرض في الآونة الأخيرة وفقاً لأرقام رسمية..

وأفادت ماريا أن اليمن يعاني من وجود واحد من أعلى معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تصل إلى 77 وفاة لكل 1000 ولادة حية، وهذا يعني أن 69 ألف طفل يموتون سنوياً قبل بلوغهم سن الخامسة.

ثاني دولة عالمياً

وكشفت منظمة اليونيسف، على حقائق مفزعة من أهمها أن اليمن ثاني دولة في العالم بعد أفغانستان من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال، إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 %، ويعاني حوالي 30 % من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تعادل ما يشهده جنوب الصومال حالياً، وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً، والتي تنذر بوجود حالة طوارئ.

ويترافق هذا مع تأكيد تقارير حديثة بأن بيانات منظمة الصحة العالمية عن النفقات الحكومية في قطاع الصحة في اليمن، تظهر انخفاضاً منذ حوالي عام 2003 على مستوى متوسط حصة الفرد من تلك النفقات، والانخفاض إلى النصف في ما يتعلق بحصة القطاع من النفقات الحكومية، وذلك من 8.5% في 1999 إلى 4.3% منذ 2007.

ولاحظت التقارير أن مؤشر معدل وفيات الأطفال تحت سن الـ5، حقق تقدماً جيداً بتراجعه إلى 77 لكل 1000 حالة ولادة في 2011، لافتاً إلى أن 41% من وفيات الأطفال تحت سن الـ5، تحدث في الشهر الأول.

وتضيف: تشكل وفيات النساء المراهقات واحدة من كل 3 فتيات بين الأمهات، في ظل معدلات عالية من الزواج المبكر ومعدلات خصوبة بين المراهقات هي الأعلى في الشرق الأوسط، كما تحدث أكثر من 50% من وفيات الأطفال في فترة ما بعد الولادة، بسبب الالتهاب الرئوي والإسهال المرتبطين بمشاكل التوعية البيئية للغذاء والمياه.

تغطية ضعيفة

ويتعاظم هذا في وقت لا تزال تغطية التحصين دون المستوى الأمثل، إذ إن نسبة الأطفال في سن 12 شهراً، المحصنين ضد السل، 64%، ونسبة اللقاح ضد الحصبة 71%، والتطعيمات الأخرى أقل من 90%، وتتراوح في مجملها بين أعلى وأدنى من نظيراتها في كل من المنطقة العربية والبلدان الأقل نمواً، ويزيد من حدة ذلك ازدياد انتشار فيروس نقص المناعة البشرية رغم معدله المنخفض (0.2%)، والذي صار أحد الأسباب الرئيسة التي تهدد النساء في سن الإنجاب والأطفال حديثي الولادة.

وذكر تقرير حديث حول وضع الطفولة في اليمن، أن المشكلة ليست في السياسات الوطنية الخاصة بكل قطاع صحي، ولا في الأطر الاستراتيجية والخطط، وإنما في القصور الكبير في تنفيذ تلك الخطط"، وينعكس في تدني مستوى الأداء.

وفي مجال التغذية، ذكر التقرير أن اليمن تمتلك سجل متابعة ضعيفاً جداً، وهو ما يعد أحد مصادر القصور الرئيسة في وضع أولويات تغذية الأم والطفل ضمن التخطيط الصحي الوطني، ويعزو ذلك إلى آثار المشاكل الهيكلية المترسخة، مثل انعدام الأمن الغذائي، ونقص فرص الوصول إلى المياه النظيفة والمرافق الصحية الملائمة، والفقر.

أسوأ معدل

وتشير بيانات عالمية حديثة إلى أن "اليمن تمتلك ثاني أسوأ معدل للأطفال الذين يعانون من نقص الوزن المتوسط والشديد في العالم، وذلك بنسبة 43% من السكان تحت سن 5 سنوات، غير أن معدل نقص الوزن الشديد في اليمن يعتبر الأعلى في العالم، وهو 19%، ما يعني أن واحداً من كل 5 أطفال صغار السن في اليمن، يعاني من نقص الوزن الشديد.

ويشير تقرير وضع الطفولة في اليمن إلى أنه من الممكن أن يسبب سوء التغذية الوفاة، وذلك باقترانه مع الأمراض المعدية، حيث إنه إن لم يكن هنا سوء في التغذية، فلن تكون هناك أية وفيات، حسب تعبيره. كما أنه من الممكن أن يتخذ سوء التغذية أشكالاً تتمثل في المدخلات الغذائية غير المتوازنة أو الناقصة أو الزائدة عن الحاجة.

وتمتلك اليمن أدنى المعدلات في ممارسات تغذية الرضع على مستوى المنطقة، حيث تبلغ نسبة بدء الرضاعة الطبيعية في وقت مبكر، 30%، وتبلغ نسبة الرضاعة الطبيعية الخالصة في الأشهر الـ6 الأولى، 10-12%.

ولاحظ التقرير أنه بين عامي 2009 و2011، زادت نسبة الأسر اليمنية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، من 32% إلى 45%، وتقريباً تضاعفت نسبة انعدام الأمن الغذائي الشديد، إذ ارتفعت من 12% إلى 22%، وبلغت في المناطق الريفية 27%، وأن 5% من الأسر تستهلك الملح المدعم جيداً باليود، كما أن متوسط إنفاق الأسرة على الفواكه والخضروات والبقول ومنتجات الألبان، يبلغ نسبة 8%، وهو نفس المتوسط للقات!

توصيات

ويوصي التقرير بأن عملية التخطيط في مجال التغذية تحتاج إلى نهج متعدد التخصصات للتخفيف من نقص التغذية، وأن جميع ممارسات تغذية الأطفال الرضع وصغار الأطفال، والبدء المبكر بالرضاعة، والاقتصار على الرضاعة الطبيعية، تحتاج إلى استجابات سريعة، كما أن هناك حاجة للتوسع المستدام في توفير المغذيات التكميلية الدقيقة، خصوصاً للسناء وصغار الأطفال.

ويقول التقرير إن الوضع السيئ للمواليد وبقاءهم على قيد الحياة والفرص الموجودة لضمان النتائج، بحاجة إلى أن يتم فهمها في السياق الخاص باليمن التي تأتي كعاشر بلد متلقٍّ للمساعدات في مجال توفير الرعاية للأطفال حديثي الولادة، التي تمثل 20% من المساعدة النقدية الرسمية لليمن، وبمتوسط 9 دولارات لكل مولود في البلد. الاقتصادي نبيل الشرعبي