لماذا يشكّل التراجع عن مسار المجلس الانتقالي تهديدًا لقضية شعب الجنوب؟

(عدن الحدث) مريم :

في المراحل المفصلية من تاريخ الشعوب، لا تكون الأخطار الكبرى ناتجة فقط عن الهزائم أو الضغوط الخارجية، بل كثيرًا ما تنبع من التراجع عن مكتسبات تحققت بدماء وتضحيات جسيمة. وفي قضية شعب الجنوب، تبرز مسألة التراجع عن الخطوات التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي كأحد أخطر السيناريوهات التي قد تهدد جوهر قضية الجنوب ومستقبلها السياسي.



-تقويض جوهر استعادة القرار الجنوبي

شكّلت خطوات المجلس الانتقالي، منذ تأسيسه، ترجمة عملية لاستعادة القرار الجنوبي بعد عقود من المصادرة والتهميش والإقصاء. وأي تراجع عن هذه الخطوات لا يُفهم بوصفه مناورة سياسية، بل يُفسَّر باعتباره تفريطًا بالقرار الجنوبي المستقل وعودة غير مباشرة إلى دائرة الوصاية.
إن فقدان القرار المستقل يعني إعادة الجنوب إلى موقع التابع لا الشريك، إضعاف قدرة الجنوبيين على فرض أولوياتهم. وفتح الباب أمام فرض حلول لا تعكس إرادة الشارع الجنوبي.


-إرباك الشارع الجنوبي وفقدان الثقة

يمتلك المجلس الانتقالي رصيدًا شعبيًا واسعًا بُني على أساس الوضوح في الهدف والثبات في الموقف. والتراجع عن خطوات استراتيجية سيؤدي إلى: اهتزاز ثقة الشارع الجنوبي بالقيادة السياسية، خلق حالة من الإحباط والارتباك الشعبي، فتح المجال أمام الأصوات المشككة والمناوئة لاستغلال الفراغ النفسي والسياسي.
وفي القضايا الوطنية المصيرية، فإن فقدان الثقة أخطر من فقدان الأرض، لأنه يصيب الوعي الجمعي ويُضعف مناعة المجتمع.



-منح الخصوم أوراق ضغط مجانية

التراجع لا يُقرأ في السياسة كحسن نية، بل كعلامة ضعف. وهو ما يمنح القوى المعادية لقضية الجنوب: فرصة لإعادة طرح مشاريع الهيمنة بصيغ جديدة، وأوراق تفاوض إضافية لفرض تسويات مجحفة، وقدرة أكبر على ابتزاز الجنوب سياسيًا وإعلاميًا. لقد أثبتت التجارب أن خصوم الجنوب لا يتوقفون عند حدود التنازلات، بل يفسرونها كنقطة بداية لمطالب أكبر.



-تهديد مسار تقرير المصير

ارتبط مسار تقرير المصير ارتباطًا عضويًا بخطوات سياسية واضحة أقدم عليها المجلس الانتقالي، سواء على مستوى التمثيل السياسي أو الحضور الميداني أو الخطاب الدولي. وأي تراجع عن هذه الخطوات يعني: إضعاف الموقف التفاوضي الجنوبي، والتشكيك في جدية المشروع الوطني الجنوبي. وإعادة تصنيف قضية شعب الجنوب كملف ثانوي قابل للتأجيل.
وهذا من شأنه أن يبدد سنوات من العمل السياسي والدبلوماسي التي كرّست الجنوب كقضية قائمة بذاتها.
 


-تفكيك الجبهة الجنوبية الداخلية

أحد أخطر نتائج التراجع يتمثل في إضعاف وحدة الصف الجنوبي. فالتردد أو التنازل غير المدروس قد: يعمّق الخلافات بين المكونات الجنوبية. يفتح المجال أمام مشاريع اختراق داخلي. يعيد إنتاج الصراعات البينية التي طالما استغلها الخصوم. إن وحدة الجنوب ليست معطى دائمًا، بل تحتاج إلى قيادة ثابتة وواضحة تحافظ عليها وتمنع تفككها.



-الانعكاسات الأمنية والعسكرية

لا يمكن فصل السياسي عن الأمني. فالتراجع السياسي غالبًا ما ينعكس: تراجعًا في تماسك المنظومة الأمنية، وإضعاف معنويات القوات الجنوبية، وخلق فراغات تستغلها الجماعات المعادية والإرهابية. وقد أثبتت التجربة أن أي خلل في الموقف السياسي يُترجم سريعًا إلى تهديدات ميدانية.



-الرسائل السلبية للمحيط الإقليمي والدولي
 

ينظر الفاعلون الإقليميون والدوليون إلى الثبات السياسي باعتباره مؤشرًا على الجدية والمسؤولية. وأي تراجع غير مبرر، يربك الحلفاء. ويُضعف مصداقية المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك سياسي. يشجع أطرافًا أخرى على تجاوز قضية شعب الجنوب أو تهميشها. فالسياسة الدولية لا تحترم المترددين، بل تتعامل مع من يملكون رؤية ثابتة وقدرة على الالتزام بها.



-التراجع ليس خيارًا

إن التراجع عن الخطوات التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي لا يمثل مجرد تعديل تكتيكي، بل يحمل مخاطر استراتيجية تهدد جوهر قضية شعب الجنوب. ففي لحظة تاريخية دقيقة، يصبح الثبات على الموقف الوطني مسؤولية تاريخية، لا خيارًا سياسيًا قابلًا للمساومة. الجنوب اليوم أمام معادلة واضحة إما الاستمرار في مسار استعادة القرار وتقرير المصير، أو الوقوع في فخ التراجع الذي أثبت التاريخ أنه المدخل الأوسع لضياع الحقوق. ولهذا، فإن الحفاظ على المكتسبات، وتعزيز الخطوات المتقدمة، وتحصين القرار الجنوبي، يمثل الخيار الوحيد القادر على حماية تضحيات شعب الجنوب وضمان مستقبله السياسي.